اتهم
باعة متجولون وأصحاب أكشاك في وسط
القاهرة الحكومة بأنها تلاحقهم لتبيض صورتها على حساب معاناتهم. ويقول أحد الباعة المتجولين، اسمه أحمد عبد الجليل، والذي كان يبيع القمصان في منطقة الترجمان "تقوم الحكومة باستغلالنا حتى تظهر بمظهر من يقوم بشيء في وسط المدينة، ولكن في الحقيقة فهم لا يعملون شيئا، إنهم يحسنون صورتهم على حسابنا".
ويقول باتريك كينغزلي مراسل صحيفة "الغارديان" إن الوجود العسكري في قلب القاهرة هو جزء من المعركة الجارية بين الباعة المتجولين، الذين استغلوا غياب الشرطة عن الشوارع في مرحلة ما بعد ثورة عام 2011 والحكومة الحالية.
وتنقل الصحيفة عن محافظ القاهرة جلال سعيد، محذرا "لن نسمح لأي بائع متحول باحتلال الشارع". ويعترف رئيس الوزراء
المصري إبراهيم محلب أن محاولة تنظيف شوارع القاهرة من الباعة المتجولين هي صورة عن محاولة الدولة استعادة سلطتها، أو كما قال محلب، هيبة الدولة. فبعد ثلاثة أعوام من الثورة، التي فككت سيطرة الدولة على مناطق متعددة من مصر وليس القاهرة المشهورة بساحة التحرير، عادت الدولة وتريد من الشعب المصري هذا.
ويجد الكاتب أن وسط البلد، كما يطلق القاهريون على مركز العاصمة، هو ساحة منافسة ليس بين الدولة والباعة المتجولين، ولكن مع عدة قوى مثل الثوريين والسياسيين والمستثمرين في قطاع العقارات والفنانين.
وبحسب المعماري، الذي يعمل في وسط البلد، عمر نجاتي، "أصبح مركز المدينة تقاطعا"، مضيفا "هل نريد العودة للحياة الطبيعية؟ أو هل ما حدث في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية خلق جوا للتفاوض"، وفق التقرير.
ويضيف كينغزلي أن وسط البلد ارتبط منذ عام 2011 بالثوريين، حيث ملأوا المنطقة، التي كانت الشرطة تتحكم بها، وأصبحت ساحة للاحتجاج، وحولوا جدرانها الفارغة إلى متحف للرسومات، وملأوا مقاهيها بالنقاشات السياسية.
وينقل التقرير عن أحد قادة 6 إبريل، أحمد عبدالله قوله "بعد الثورة كنت أذهب كل يوم للمشاركة في الآراء السياسية"، مشيرا إلى أن " الجلوس في وسط البلد وحدّ الكثير من الناس، وتحولت إلى نقطة لقاء للجماعات الشبابية". وكانت الدولة قد خططت لتجميل المدينة، وإعادة تحسين شوارعها ومعالمها في الخطة المثيرة للجدل، التي اقترحها نظام حسني مبارك "القاهرة 2050".
وتشير سحر عطية، المتخصصة في مجال التخطيط الحضري، والتي حصلت على موافقة الحكومة لتنفيذ الخطة، إلى أن خطة التجميل كان من المقرر أن تبدأ في الأول من شباط/ فبراير، ثم قامت الثورة، وتعطل كل شيء. وظلت المنطقة حتى انقلاب
السيسي محاطة بالجدران في محاولة للدولة لاحتوائها، بحسب "الغارديان".
ويرى الكاتب أنه الآن وبعد صعود السيسي للسلطة وعودة الشرطة، تم هدم بعض الجدران وطلاء البعض الآخر، كما منعت الدولة التظاهرات، وأجبر الثوريون مع الباعة المتجولين على الخروج منها. ويقول أحمد عبدالله إن "تنظيف الشوارع من الباعة المتجولين ما هو إلا ستار لإخراجنا جميعا من الشوارع".
ويضيف عبدالله للصحيفة "تم اعتقال الكثير من الناشطين، وهم في مقاهي وسط البلد، ولهذا لم تعد مكانا آمنا مع أنها كانت نقطة لقاء لنا جميعا، أما الآن فتفرقنا".
ويلفت التقرير إلى أن عطية ليست حزينة على هذا، ولا تريد من الناس التعامل مع المنطقة باعتبارها مكانا للتظاهر، "أريدها مكانا للنشاطات الثقافية التي ليست بالضرورة سياسية".
ويذهب كينغزلي إلى أن وسط القاهرة اليوم يثير ألم من يريدون العودة بها لزمنها الذهبي في بداية القرن العشرين، حيث كانت تسكنها النخبة المصرية والجاليات الأجنبية. وكانت تنتشر فيها الشوارع المشجرة والمقاهي المزخرفة ودور السينما والمحلات التجارية الراقية.
ويبين التقرير أن وسط البلد عانى في النصف القرن الماضي من الإهمال، حيث تركت البيوت التاريخية ليتراكم عليها الغبار، كما أجبرت سياسات التأميم في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات معظم أفراد النخبة لإغلاق بيوتهم أو الرحيل عنها للأحياء.
وتفيد سهير كامل (69 عاما) للصحيفة "تغيرت الحياة هنا بشكل كامل عنها في المرة التي جئت فيها إلى هنا"، حيث تعيش في شقة فارهة في وسط البلد، ومع ذلك لا تشعر بالأمان "كانت ابنتي تحضر للبيت متأخرة في الليل، أما الآن فلا".
ويعتقد الكاتب أنه بسبب سياسات الإيجار، التي جعلت المستأجر يدفع مبالغ قليلة، وزيادة التضخم، فإن الكثير من أصحاب العقارات لم تكن لديهم حوافز لتعمير بيوتهم، وهو ما أدى بالبيوت لحالة من الإهمال مع نهاية القرن الماضي، وتحول وسط البلد إلى منطقة شعبية.
وتنقل الصحيفة عن كريم إبراهيم، أحد مؤسسي "تكوين" للتخطيط العمراني، قوله إن وسط البلد كان دائما منطقة للتحولات الدرامية، فقد كان محل سكنى للنخبة، ومن ثم للطبقة المتوسطة وحتى الطبقة الدنيا.
ويشير التقرير إلى شركة استثمار اسمها "اسماعيلية" التي اشترت 24 بيتا، وهو عدد كبير، ما جعلها محلا للتساؤلات، وتقوم بإعمار البيوت المهجورة وتشجع الفنانين على استخدامها، وتنظم مهرجانا سنويا للفن "مهرجان وسط البلد للفن الحديث". وتظل الشركة التي تعتبر المستثمر الوحيد في المنطقة محلا للشك، حتى من الفنانين وأصحاب الغاليريهات.
وتعلق "الغارديان" أنه في الوقت الذي تزعم فيه الشركة أنها تقوم بالحفاظ على المنطقة، يقول آخرون إنها تقوم بتحسين المباني. وينفي كريم الشافعي مدير الشركة أن يكون هدفها طرد السكان من بيوتهم، مؤكدا أن 40% من البيوت التي اشتراها كانت فارغة نتيجة للهجرة في الثمانينيات، ما جعل المنطقة مدينة أشباح، وهي في حالة انهيار ومنذ 40 عاما كما يقول.
ويختم كينغزلي تقريره بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي يرى البعض في الشركة تأثيرا إيجابيا على المنطقة، إلا أنهم يخشون من دخول المستثمرين، ما يعني طرد الفنانين. وهناك تعاطف مع سكان وسط البلد الفقراء، ممن يعيشون فيها منذ نصف قرن، أي أصحاب الحرف اليدوية والورش وغيرهم. بل هناك من الفنانين من يتعاطف مع الباعة المتجولين، الذين تدفقوا على المنطقة بعد الثورة. وبحسب عبدالجليل، البائع المتجول "لا يهتمون بنا، الشعب" أي من يملكون القرار.