احتفت الصحف التركية المقربة من الحكومة بما أعلنته مصادر في رئاسة الجمهورية التركية، أن مكالمة هاتفية بين الرئيس رجب طيب
أردوغان ونظيره "فرنسوا هولاند" انتهت بإعراب الرئيس الفرنسي عن دعم بلاده للحل التركي للوضع الأمني المتفجر في سوريا والعراق، والمتمثل في فرض حظر للطيران على الأراضي السورية المتاخمة للشريط الحدودي التركي، وفي تأمين مناطق آمنة داخل سوريا تكون خالية من مقاتلي داعش وآمنة من هجمات النظام السوري.
وبينما تستمر المعارك بين مقاتلي داعش والمقاتلين الأكراد في مدينة
عين العرب، ويستمر الترقب التركي في نقطة سليمان شاه التركية التي يسيطر مقاتلو داعش على كل الطرق المؤدية إليها، يشهد الواقع السياسي التركي حالة تناقض بين التوجه الذي اختارته السلطة التنفيذية في
تركيا ودعمته بتفويض من السلطة التشريعية، وبين ما تطالب به
الاحتجاجات الغاضبة في شوارع عدد من المدن التركية، وما تطالب به بعض الأحزاب
المعارضة، وما تطالب به بعض القوى الإقليمية والدولية.
فوضى في الشارع
وشهدت محافظات تركية احتجاجات غاضبة نظمها الأكراد الداعون لإنقاذ مدينة عين العرب السورية من الوقوع تحت سيطرة تنظيم داعش، وأدت هذه المظاهرات إلى مقتل أكثر من 19 مواطنا تركيا بعضهم من المحتجين وبعضهم الآخر لا ينتمون للمحتجين، وإنما قتلوا بسبب أعمال العنف التي مارسها المحتجون ضد المعترضين على بعض اللافتات المرفوعة، مثل شعار حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه المحكوم بالإعدام "عبد الله أوجالان" وأعلام كردستان.
وكانت وزارة الداخلية التركية قد استبقت هذه الأحداث بإلغاء كل تراخيص التظاهر في 5 محافظات تركية، وإلغاء إجازات كل الأمنيين المقررة خلال هذه الفترة، وذلك في محاولة لمنع حالات الشغب التي تتحول لها مظاهرات المواطنين الأكراد الداعين للضغط على الحكومة لإجبارها على تقديم المساعدات العسكرية واللوجستية لمقاتلي "حزب الاتحاد الديمقراطي" المدعوم من قبل حزب العمال الكردستاني.
محاولات تهدئة
وفي ظل فشل الإجراءات الاستباقية لضبط الوضع الأمن في عدد من المحافظات وخاصة في محافظة ديار بكر الواقعة في الجنوب الشرقي لتركيا وذات الأغلبية الكردية؛ أوفدت الحكومة التركية وزير الزراعة والتغذية "مهدي إيكار" ليكون مندوبها في الجنوب الشرقي، وليتولى التنسيق مع المسؤولين هناك لإيجاد الحلول لإنهاء حالة الفوضى.
وبعد فرض حظر الجولان ليلا في 5 محافظات، من بينها محافظة ديار بكر، تحدث مهدي إيكار عن وجود "لوبي فوضى نشط في كامل تركيا يعمل على استثمار كل الملفات الحساسة التي تشهدها البلاد، وتحويلها إلى أحداث شغب وفوضى لا يستفيد منها أحد". وقال وزير الداخلية إن قوات الشرطة "سترد على العنف بالعنف" ولن تتساهل مع مثيري أعمال الشغب.
وبينما تناولت بعض وسائل الإعلام والنشطاء الأتراك على وسائل التواصل الاجتماعي ما يحدث في ديار بكر وغيرها من المحافظات من جانبه العرقي وحاولت توظيفه لإدانة الأكراد ووصمهم بـ "الهمجية" و"انعدام الوطنية"، أصدر محسن كيزيلكايا، عضو هيئة الحكماء المشرفة على مشروع السلام الداخلي للمصالحة مع الأكراد، بيانا قال فيه: "للأتراك والأكراد قدر مشترك، وقد سبق أن لجأوا لبعضهم البعض في أحلك الأوقات، ورغم أننا تصارعنا في السابق فإننا كلّما علقنا في مأزق، قلنا: أخي التركي، أخي الكردي.. وعندما هوجم الأكراد في سوريا لم يلجأوا للعراق ولا لسوريا وإنما لجأوا لإخوانهم في أزمير وفي أنطاليا وفي إسطنبول".
ابتزاز سياسي
وفي حين دعا محسن كيزيلكايا الأحزاب السياسية للتحلي بالمسؤولية واللجوء للتهدئة، هددت بيرفين بولدان، رئيسة الكتلة النيابية لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي، بأنه في حال سماح الحكومة التركية بسقوط مدينة عين العرب في أيدي داعش وامتناعها عن دعم المقاتلين الأكراد فإن الحزب ومن يقف خلفه من مكونات كردية سيتخلون بشكل نهائي عن مشروع السلام الداخلي وعن المفاوضات التي تجريها الحكومة التركية منذ سنوات مع الأكراد.
وخلال زيارته للاجئين السوريين على الحدود التركية السورية، استنكر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قيام بعض الساسة الأتراك بتوظيف بعض المسائل السياسية التركية الداخلية، مثل مشروع السلام الداخلي، لابتزاز الحكومة وإجبارها على تبني موقفهم مما يحدث في مدينة عين العرب، مشيرا إلى حزب الشعوب الديمقراطية الذي صوت ضد قرار التفويض الذي طلبته الحكومة حتى تتدخل عسكريا في سوريا.. وأصبح الآن يطالب الحكومة بالتدخل في مدينة عين العرب، وهي نفس النقطة التي ركز عليها رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في تصريحه مساء الأربعاء.
إلى أين؟
ويستبعد المحللون الأتراك أن تتجه الحكومة التركية إلى دعم المقاتلين الأكراد، وذلك لسببين رئيسين، هما موالات هؤلاء المقاتلين لحزب العمال الكردستاني وكذلك تحالفهم مع نظام بشار الأسد.
ويستبعد أن ترضخ الحكومة للاحتجاجات الداخلية بسبب عدم امتلاك هذه الاحتجاجات لأنها - أي الاحتجاجات- لا تحركها حاضنة شعبية حقيقية، كما أنها ستفقد وزنها في حال نجاح السلطات في تحييد الجانب العنيف منها.
ويعتقد أن تمضي تركيا في التسويق لمشروعها الذي حصل مؤخرا على الدعم الفرنسي والمتمثل في توفير مناطق آمنة داخل سوريا يديرها الجيش السوري الحر، تحت إشراف وتدريب التحالف الدولي.