تحول تعيين الرئيس
الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، لوزيرة جديدة على قطاع "
التربية والتعليم" في طاقم حكومة عبد المالك سلال الثالثة، إلى "قضية وطنية" على خلفية ما يشاع عن الوزيرة الجديدة،
نورية بن غبريط رمعون، من أنها "من
أصول يهودية".
تأمل بسيط في اسم الوزيرة الجديدة لقطاع التربية والتعليم، التي التحقت بالوزارة بموجب الإعلان عن الحكومة الجديدة بالجزائر، يوم الخامس من أيار/ مايو الجاري، جعل الساحة السياسية في البلد "تطبخ" على نار، وسرعان ما تم تداول اسم "نورية بن غبريط رمعون" كاسم "يهودي" بامتياز. لكن الوزيرة أكدت على "إسلامها وجزائريتها".
ولم يكن اسم الوزيرة الجديدة التي تربعت على عرش وزارة حساسة تعنى بتعليم الأجيال القادمة للجزائر، وحده محدد هوية السيدة نورية، فقد خاض البعض في أصولها، واستخرجت صور لجدها برفقة ضباط فرنسيين، في عشرينيات القرن الماضي، وقد نسبوا إلى أصول يهودية.
ولم يشفع "التكذيب" الذي ساقته المعنية، خلال لقائها بمدراء قطاعها بمقر الوزارة، الأحد 11 أيار/ مايو، لدى من نسبها إلى الأصل اليهودي، حيث قالت: "أنا جزائرية مسلمة"، ولم تخض المعنية في الموضوع أكثر، لكنها أرادتها رسالة لمن يعترض استوزارها.
وشكك الكثير ممن يهمهم الموضوع، وخاصة المنتمين للتيار الإسلامي بالجزائر، بتصريح نورية رمعون، وقالوا إنها "ربما لا تقول الحقيقة".
وطالب عبد الفتاح رزاوي حمداش، رئيس "جبهة الصحوة الحرة الإسلامية السلفية"، الوزيرة بتأكيد إسلامها للرأي العام وبتصريح واضح.
ودعت "جبهة الصحوة الحرة الإسلامية السلفية" الوزيرة، رمعون، إلى أن "تثبت إسلامها بالبراءة من اليهود واليهودية والديانة
اليهودية والدولة الصهيونية، وأن تتشهد بشهادة التوحيد -لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله سيد البشرية وعظيم البرية- أمام الشعب الجزائري إبراء للذمة وتثبيتا للأمة بإسلامها وتوبتها"، مثلما ورد ببيان وقعه رئيس الجبهة، عبد الفتاح زراوي حمداش، الأربعاء، وصل إلى "عربي21" نسخة منه.
وقال عبد الفتاح زراوي: "إنا نحن جبهة الصحوة الحرة الإسلامية السلفية الجزائرية، ندعو الوزيرة نورية بن غبريط رمعون أن تثبت إسلامها وصحة معتقدها بالبراءة من اليهود والديانة اليهودية، فتثبت إسلامها بالنطق بالشهادتين أمام الشعب والأمة الإسلامية، وتشهد بأنها مسلمة وقد تخلت عن الديانة اليهودية وأسلمت".
لكن المؤرخ الجزائري، فوزي سعد الله المقيم بفرنسا، ومؤلف كتاب "يهود الجزائر"، أكد أن رمعون "لا تنحدر من أصول يهودية"، وقدم دليلا عن ذلك بالقول إن "عائلة بن غبريط معروفة في الغرب الجزائري، وتحديدا بمحافظة تلمسان، وقد وصل أجدادها الأولون إلى المنطقة عام 1429، من إسبانيا، وأحد أجدادها هو عبد القادر بن غبريط كان من مؤسسي مسجد باريس المعروف".
بيد أن إسناد وزارة بغاية الحساسية، كوزارة التربية والتعليم إلى وزيرة "غير معروفة الأصول ولا أحد يعرف مسيرتها العملية"، يثير تساؤلات وسط المعارضة بالجزائر، ولدى التيار الإسلامي على الخصوص.
وكتب في السيرة الرسمية لوزيرة التربية والتعليم الجديدة، بالجزائر أنها "حصلت على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة باريس عام 1982، ودرست خلال سنوات في جامعة وهران بالغرب الجزائري، قبل أن تكرس نفسها للبحث في مجالات دراسات التنمية والتعليم والشباب والمرأة والأسرة".
وفي سيرتها أيضا "ترؤسها للجنة اليونسكو العربية للتعليم العالي، وهي عضو في لجنة السياسات الإنمائية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، وعضو لجنة المنتدى العالمي لليونسكو للتعليم العالي والبحوث والمعرفة، وعضو منتخب لمنطقة المغرب العربي ومصر، في اللجنة التنفيذية لمجلس تنمية البحوث الاجتماعية في إفريقيا".
وأفاد محمد حديبي، القيادي في حركة"النهضة" المعارضة، لـ"عربي21" بأنه بتنصيب نورية رمعون وزيرة للتربية والتعليم، فإن "السلطة أرادت معاقبة المنظومة التربوية الجزائرية"، وأضاف: "بهذا التعيين تكون المنظومة التعليمية تعرضت لمقصلة حقيقية في إطار مساعي سلخ الأمة الجزائرية عن هويتها، لأن السلطة لم تفصل في هوية مشروع المجتمع الجزائري، فهل نحن أمازيغ عرّبنا الإسلام أم مجتمع أورومتوسطي بامتداد استعماري فرنسي؟".
ويعتقد حديبي بأن "أكبر عقاب طال الشعب الجزائري يكمن في سحب ورقة قطاع التربية والتعليم
من جهات مشبوهة وإسنادها إلى جهات متجذرة في المجتمع الجزائري ممثلة في الوزير الأسبق
علي بن محمد، وهذا لم يرق للتيار الفرانكفوني، فأراد استعادة هذا القطاع. وتمثل ذلك في الوزير الذي أتى بعد بن محمد وهو أبو بكر بن بوزيد المعروف بتكوينه الذي لا ينسجم مع مبادئ المجتمع الجزائري، والذي مكث عقودا بوزارته".
ويتابع حديبي: "كل ذلك أعتقد بأنه يندرج ضمن الصفقات التي قدمتها السلطة للدوائر الخارجية كعربون لبقائها في الحكم، رغم أنف إرادة الشعب الجزائري الرافضة لها. وهنا لا أتكلم عن شخص وزيرة التربية أو شخص الرئيس وإنما عن منظومة حكم أصبحت تحت رحمة لوبيات لا يعرفها الشعب الجزائري".
وتحاشى عبد الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم" الخوض بإسهاب في ملف الوزيرة، وقال:
"الكلام الذي يقال عن بعض وزراء الحكومة الجديدة خطير جدا، أتدرون ما هو الخطر إذا صح ما يقولون؟ الخطر أنه لم يبق في الدولة من يستطيع أن يقول لا، الخطر أن البقية الباقية من التيار الوطني في مؤسسات الدولة التي كانت تضمن التوازن قد انقرضت! ".
وكتب مقري يقول: "أضيف لمتاعب وزيرة التربية الجديدة أن الإسرائيليين يدافعون عنها.. لا شك أن هذا ليس في مصلحتها وعلينا أن نحتج على تدخل الإسرائيليين في الشأن الجزائري، أليس كذلك؟"