أثارت "الاعترافات" التي أدلى بها العقيد أحمد فهد
النعمة، قائد "جبهة ثوار جنوب
سورية" حول علاقته بسقوط بلدة
خربة غزالة بيد النظام السوري بعدما طلبت منه "
الدول الداعمة" عدم إمداد الفصائل المقاتلة بالذخيرة؛ جدلا واسعا، إذا إنها المرة الأولى التي يجري فيها الحديث علنا عن هذه المسألة.
ورغم التشكيك باعترافات النعمة المحتجز لدى الهيئة الشرعية في
درعا، باعتبار أنه هذه الاعترافات ربما جاءت تحت الضغط، إلا أن احتجازه على يد مجموعة من جبهة النصرة مكلفة بالاعتقال لصالح المحكمة الثورية في درعا؛ يشكل قبل أي شيء آخر ضربة قوية للجهود
السعودية والأردنية للإمساك بالجبهة الجنوبية بالتعاون مع الأردن خلال الفترة الماضية، كما يشكل نكسة لجهود هذه الدول مع دول غربية لتقوية الفصائل المرتبطة بــ"جبهة ثوار سورية" التي يقودها جمال معروف، في إطار السعي لتقليل نفوذ الكتائب الإسلامية.
وكان النعمة يرأس في السابق "المجلس العسكري للجبهة الجنوبية في الجيش الحر" قبل عزله في تموز/ يوليو الماضي، حيث أصدر حينها المجلس العسكري في درعا خلال اجتماع بقيادة "أبو عمار"؛ بيانا بعزله وإحالته للمحاكمة، بتهم بينها "العمل على شق صف الثوار"، و"تسليم" بلدة خربة غزالة عبر امتناعه عن مساعدة الثوار في المعركة أمام قوات بشار الأسد، ما أدى إلى سقوط البلدة بيد النظام السوري، رغم حصوله على السلاح من الدول الداعمة. وبناء على ذلك يواجه النعمة تهمة "الخيانة".
وألقي القبض على النعمة مع ضباط آخرين السبت الماضي؛ على يد عناصر من جبهة النصرة، بموجب مذكرة الاعتقال السابقة، وذلك بعد وقت قصير من عبور عدة سيارات كانت تقل هؤلاء الضباط؛ الحدود الأردنية السورية. وقال نشطاء في درعا لـ"عربي21" إن هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها النعمة الأراضي السورية منذ نحو سنة، حيث كان ينوي الإعلان عن تشكيل فصيله الجديد من درعا.
واعتقل مع النعمة كل من العقيد الطيار أيسر الخطبا، وخالد الرفاعي (المعروف بالوحش) وهو قائد إحدى الكتائب في درعا، وموسى الأحمد قائد فوج الفرسان الأول في درعا البلد. وقد أفرج في وقت لاحق عن الخطبا إضافة إلى قائد لواء شهيد حوران المعروف بأبو حفص.
وتحدث الخطبا في مقابلة تفلزيونية عن ظروف الاعتقال، وقال إنه تمت معاملتهم بقسوة، مشيرا إلى آثار الأربطة البلاستيكية التي تم تقييد أيديهم بها خلال اعتقالهم. كما شكا من تعرضهم للإهانة والحرمان من الطعام والشراب خلال ثلاثة أيام من اعتقالهم.
ويحظى النعمة بدعم السعودية عبر المخابرات الأردنية. وكانت السعودية قد ساعدته أيضا في تأسيس قناة تلفزيونية أطلق عليها اسم "قناة 18 آذار" في الأردن، بحسب ما أبلغ به عاملون سابقون في القناة التي أغلقت قبل أشهر؛ "عربي21". وقال العاملون إن دعم القناة كان يتم أيضا عبر السلطات الأردنية.
وتضاربت الأنباء حول مصير النعمة، فبعدما ترددت معلومات عن الإفراج عنه، عُلم لاحقا أنه لا يزال محتجزا وأنه مثل أمام المحكمة. وحسب بيان صادر عن الهيئة الشرعية في درعا، فقد اعترف النعمة بشرعية المحكمة لكنه أنكر التهم الموجهة إليه.
واللافت أن احتجاز النعمة يأتي بعد أيام من تقدم كبير أحرزته الكتائب المقاتلة في درعا، وبينها كتائب إسلامية، حيث سيطرت على نقاط استراتيجية عديدة وخصوصا على حدود الجولان المحتل.
"اعترافات" النعمة
وظهر النعمة في تسجيل مصور يتحدث فيه عن دور "الدول الداعمة" و"السلطات الأردنية" في سقوط بلدة خربة غزالة بيد قوات النظام السوري في أيار/ مايو 2013، وهو ما ساعد النظام على إعادة فتح الطريق الدولي إلى دمشق.
ويظهر النعمة في التسجيل الذي لا تتجاوز مدته الدقيقتين وهو يتحدث عن سقوط خربة غزالة، وقال إن الدول الداعمة وعلى رأسها الحكومة الأردنية خشيت من تمدد نفوذ جبهة النصرة في سهل حوران المتاخم للحدود؛ وأثار حفيظتها توسع قاعدتها الشعبية هناك؛ مما دفعها لتضييق الخناق على كتائب المعارضة المسلحة في الجنوب ومنعتها من الحصول على الذخيرة والسلاح.
وأضاف النعمة أن "السلطات الأردنية طلبت مني وجوب فتح الاتستراد الدولي (في إشارة إلى سحب قوات المعارضة المسلحة من بلدة خربة غزالة ذات الموقع الاستراتيجي المطل على الطريق الواصل بين دمشق ودرعا) مقابل حصولنا على الذخيرة؛ ثم تواصلت مع أحد مسؤولي جبهة النصرة فرفض ذلك وقال لي: لن يفتح الأتوستراد إلا على جثثنا ونحن لا نتلقى أوامرنا من أحد كائناً من كان".
وتابع العقيد النعمة قائلاً: "وبعد 62 يوم من قطع الاتوستراد الدولي وسيطرة كتائب المعارضة المسلحة على بلدة خربة غزالة؛ طلب مني مسؤول جبهة النصرة ذخيرة لمواجهة النظام فرفضت ذلك وقلت له اخرج من البلدة ونحن سنتولى مهمة الدفاع عنها". كما طلب الانسحاب من قائد لواء اليرموك بشار الزعبي الذي نفذت الذخيرة لديه أيضا.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي قتل قائد لواء فلوجة حوران المقدم ياسر عبود، في قصف مدفعي على مقر كان يحضر فيه اجتماعا مع 11 شخصا، وقد أثارت حادثة اغتياله شكوكا كبيرة. وكان العبود أحد قادة معركة خربة غزالة ورفض حينها الانسحاب حتى نفذت ذخيرته، حيث رفض النعمة دعمه، وفق "اعترافات" الأخير.
وأوضح النعمة أنهم بعد دخوله بلدة خربة غزالة؛ اشترطت السلطات الأردنية و"الدول الداعمة" عليهم إخلاء البلدة والتوجه نحو اللواء 52 حتى يتم تزويدهم بالذخيرة المطلوبة. ووصف الخطوات تلك بقوله: "انتقلنا من فشل إلى فشل".
وذكر النعمة في التسجيل أنه دخل المدينة بغرض التصوير على جبهاتها ليوم واحد، وانسحب مباشرة باتجاه اللواء 52، مبررا ذلك بأن السلاح المقدم من الدول الداعمة هو لتحرير مقر اللواء 52 في مدينة الحراك وليس لمساندة الكتائب الإسلامية في معاركها في خربة غزالة.
واتهم العقيد في ما قيل إنها "اعترافات"؛ الدول الداعمة للمعارضة السورية؛ بالتحكم بها وتنفيذ سياساتها وعدم رغبتها بنجاح المشروع الإسلامي في سورية ووجود قوات إسلامية على الأرض.
مع.. ولكن
وأثارت قضية احتجاز النعمة ومحاكمته ردور فعل متضاربة بين السوريين. فبينما اعتبر بعضهم أن هذه "خطوة في الاتجاه الصحيح" ولـ"تصحيح مسار الثورة"، رفض آخرون هذه الخطوة واعتبروها "شقا لصف الثوار". لكن فريقا ثالثا أقر بضرورة محاكمته ولكنه هاجم الجهة التي احتجزته مستغربين كيف تتم ملاحقته من أناس غير سوريين، في إشارة إلى جبهة النصرة التي يقودها أردني في درعا. وربما هذا سبب إضافي لإثارة غضب الحكومة الأردنية أيضا.
وقال محللون ومراقبون أردنيون لوسائل إعلام إنه رغم وجود بدائل بالنسبة للسعودية والأردن لكي تحل محل النعمة، إلا أنه من المتوقع أن يؤدي احتجازه إلى توتر علاقات داعميه مع المعارضة السورية، نظرا لصلاته الوثيقته مع الحكومة الأردنية بشكل خاص. كما يعني بالنسبة للسعودية تراجعا لنفوذها.
وكان أمين الصندوق في المجلس العسكري فادي العاسمي قد ذكر قبل نحو عام أنه لا أحد يعلم بمصادر التمويل سوى النعمة فقط، مشيرا إلى أنه كأمين صندوق كان يستلم المبالغ المالية لتوزيعها على المقاتلين "وليس لنا الحق في السؤال عمن يرسل هذه الأموال" التي توقفت لاحقا وتوقف معها دفع رواتب المقاتلين.
ويوثق تسجيل مصور اجتماعا عقده عدد من قادة الفصائل وأهالي حوران. ويتحدث في الاجتماع العاسمي قائلا إن "المجلس العسكري مختزل بشخص وجهاز كمبيوتر"، في إشارة إلى النعمة الذي قال عنه العاسمي إنه لا تدخل علبة دواء أو يخرج مريض أو "امرأة حامل" للعلاج في الأردن إلا بأمره.
كما يشكو العاسمي بغضب، بحسب التسجيل، من تحكم الأردن بإمدادات السلاح وكيفية توزيعه على المقاتلين.