قضايا وآراء

أربيل مدينة المحبة والسلام!

جاسم الشمري
لم تعتذر إيران للعراق مثلما فعلت مع باكستان- إكس
لم تعتذر إيران للعراق مثلما فعلت مع باكستان- إكس
مَن يزور أربيل لا يمكنه إلا أن ينبهر بالتطوّر الكبير الذي طرّز أركانها وضواحيها، وهذا يؤكّد أنّ أهلها حريصون على سلامتها، وأمنها وعمرانها، وتاريخها.

وأربيل ليست مجرّد عاصمة لإقليم كردستان العراق، بل هي مدينة للتعايش والمحبّة والسلام، ولهذا نجد هذه الهجمات الشّرّيرة التي تحاول النيل من أمنها وسلامتها!

وتعرّضت مدينة أربيل الهادئة لعشرات الهجمات الإرهابية الداخلية والخارجية! واعتادت أربيل منذ سنوات على الهجمات التي تنفّذها الجماعات "العراقية" المسلّحة الكارهة لهذه المدينة، وكأنّها حالة مستدامة لأربيل، وليست نادرة، وتحت ذريعة مهاجمة القاعدة الأمريكية في المدينة! وغالبيّة تلك الهجمات كانت بعيدة عن الأهداف المقصودة، بسبب منظومة الدفاع الدقيقة المحيطة بالقاعدة الأمريكية، وقنصلية واشنطن في أربيل!

وقبل أيّام تعرّضت أربيل لهجمات صاروخية إيرانية هزّت أمن المدينة، وقضّت مضاجع أهلها!

والضربات الإيرانية ليست جديدة، وسبق لمطار أربيل أن تعرّض بداية العام 2020 لهجمات بصواريخ بالستية بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بطائر أمريكية مسيّرة قرب مطار بغداد.

الهجمات الإيرانية على باكستان بعد 24 ساعة من هجمات أربيل قُوبِلت بردّ باكستاني دقيق وسريع جعل إيران تطلب التهدئة وإنهاء الأزمة دبلوماسيا! ولم توافق باكستان على التهدئة إلا بعد أيّام من الاعتذار والدبلوماسية الإقليمية والإيرانية الضاغطة. وفي المقابل لم نسمع بأيّ اعتذار إيراني للعراق! وهذا يؤكّد أنّ "الدبلوماسية المسلّحة" يمكن أن تُثمر بسرعة عن نتائج حافظة لسيادة أيّ دولة

وتكرّرت الهجمات في شباط/ فبراير ونيسان/ أبريل 2021، وكذلك في أيلول/ سبتمبر 2022، وأخيرا يوم 15 كانون الثاني/ يناير 2024، حيث كُسِر هدوء وسكون أربيل بانفجارات صاروخية ضخمة!

وأعلن مجلس أمن كردستان أن الحرس الثوري الإيراني "شنّ هجوما بصواريخ باليستية على مناطق بأربيل؛ ممّا أسفر عن مقتل 4 مدنيين وإصابة 6 آخرين".

وهذه الصواريخ أحرجت حكومة محمد شياع السوداني المركزية والكيانات السياسية الفاعلة، ممّا اضطرّ الحكومة للطلب من الخارجية تسليم القائم بالأعمال الإيراني في بغداد مذكّرة احتجاج أعربت فيها عن" إدانتها واستنكارها الشديدين للاعتداء الذي تعرّضت له عدد من المناطق في أربيل". واستدعت الخارجية العراقية السفير العراقي في طهران للتشاور، وأعلنت تقديم شكوى ضدّ إيران إلى مجلس الأمن الدولي، على خلفية هجومها الصاروخي!

وهذه جميعها تحرّكات دبلوماسية ناعمة، لا يُمكن أن تُثمر عن توقّف الهجمات الإيرانية مستقبلا، بدليل أنّ الهجمات الإيرانية على باكستان بعد 24 ساعة من هجمات أربيل قُوبِلت بردّ باكستاني دقيق وسريع جعل إيران تطلب التهدئة وإنهاء الأزمة دبلوماسيا! ولم توافق باكستان على التهدئة إلا بعد أيّام من الاعتذار والدبلوماسية الإقليمية والإيرانية الضاغطة.

وفي المقابل لم نسمع بأيّ اعتذار إيراني للعراق! وهذا يؤكّد أنّ "الدبلوماسية المسلّحة" يمكن أن تُثمر بسرعة عن نتائج حافظة لسيادة أيّ دولة!

وكشف الحرس الثوري، صراحة، وكذلك الخارجية الإيرانية، أنّه أطلق 11 صاروخا باليستيا دقيقا على أربيل، وأنّه أصاب "مركزا للاستخبارات الإسرائيلية، الموساد".

وهذا الاعتراف الإيراني غريب، ويؤكد التدخل والتحكم الإيراني بالملفّات الأمنية والسياسية العراقية، وكذلك الاستخفاف بسيادة العراق!

واتّهامات طهران بخصوص "الموساد" ليست جديدة، ومع ذلك لا يمكن التسليم بسهولة بهذه الفرضية، وإيران لم تقدم أيّ دليل قاطع على أنّ المكان المستهدف هو من مقرّات "الموساد"، بدليل أنّ الضحايا هم عائلة مدنية بينهم طفلة لا تتجاوز الثلاث سنوات!

وكشفت لجنة تحقيق عراقية برئاسة قاسم الأعرجي مستشار الأمن القومي أنّ "ادّعاءات استهداف مقرّ للموساد في أربيل لا أساس لها من الصحّة".

والغريب أنّ رئيس مجلس الأمن الدولي لهذا الشهر، الفرنسي نيكولا دي ريفيير، أكّد الأربعاء الماضي، أنّه "لم يتلق أيّ طلب عراقي بخصوص الهجوم الإيراني"!

الهجمات الإيرانية تُنذر ببداية مرحلة جديدة من "التناحر الخشن" بين الكرد وإيران، بموازاة "التناحر الناعم" العراقي (المركزي) مع طهران!

وإيران لديها حدود طويلة مع العراق والإقليم، وبهذا فإنّ كلّ السيناريوهات مفتوحة فيما يتعلّق بمستقبل العلاقات الكردية الإيرانية، وقد أعرب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني عن استيائه الشديد من الهجوم قائلا: "لصبرنا حدود"!

محاولات إيران لجعل العراق ميدانا لتصفية "حساباتها" مع "إسرائيل" لا يُمكن القبول بها، ويفترض بها احترام السيادة العراقية، والنأي بنفسها عن التعامل بلغة القوّة مع بغداد، وكأنّ العراق حديقة خلفية لطهران!

محاولات إيران لجعل العراق ميدانا لتصفية "حساباتها" مع "إسرائيل" لا يُمكن القبول بها، ويفترض بها احترام السيادة العراقية، والنأي بنفسها عن التعامل بلغة القوّة مع بغداد، وكأنّ العراق حديقة خلفية لطهران!

وحذّرت الأمم المتّحدة، الأحد الماضي، من "انجرار العراق إلى صراع بسبب التّوتّرات في المنطقة"! ومَن يتابع المشهد العامّ في المنطقة يلاحظ أنّ إيران تسعى عبر أذرعها في العراق واليمن ولبنان وسوريا لخلط الأوراق، ليس لدعم القضيّة الفلسطينية كما تدعي بل لمصلحتها، ولدوام سياسة التخادم الإيرانية (القديمة الجديدة) مع واشنطن!

ولم تتمكن أذرع إيران حتّى اليوم من إشغال "إسرائيل" عن حربها التدميرية في غزة، وهذا يؤكّد أنّ ضربات تلك الأذرع لم تُحقق الغاية العسكرية المرجوة منها!

إنّ إشْعال وإشْغال المنطقة بهجمات عبثية سيقود بالنهاية لحرق دول عربية، وستبقى إيران، كالعادة، بعيدة عن النيران وآثارها التدميرية القاتلة!

الصواريخ الإيرانية على أربيل هي صورة من صور إعلان الحرب على العراق، ويُفترض أن تكون هنالك تحرّكات، على الأقلّ دبلوماسية، لإنهاء هذا الاستخفاف الإيراني بالسيادة العراقية!

يجب أن تكفّ إيران عن تدخّلاتها في شؤون العراق، وأن تحترم سيادته، وتنهي حالة "الحرب واللا حرب" القائمة مع العراق منذ العام 2003 وحتّى الساعة!

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (0)