هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أسدل الستار يوم الثلاثاء على النتائج النهائية للانتخابات التشريعية اللبنانية، التي أظهرت تراجع قوى "8 آذار" التي تضم حزب الله، لصالح قوى "14 آذار"، فيما صعد 13 مستقلا إلى البرلمان، من شأنهم أن يلعبوا دورا مهما في مفاوضات تشكيل الحكومة.
وتعتبر هذه الانتخابات الأولى من نوعها منذ انتفاضة 2019، فيما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وأقفلت صناديق الاقتراع عند السابعة مساء أول أمس الأحد، باستثناء عدد من المراكز التي بقيت مفتوحة إلى حين إدلاء كل الناخبين الموجودين داخلها بأصواتهم.
وبلغ عدد المرشحين لهذه الانتخابات 719 مرشحا منضوين تحت 103 لوائح، من ضمنها 56 لائحة باسم مجموعات التغيير والمجتمع المدني في البلاد، في حين بلغ عدد الناخبين المدعوين للمشاركة في الانتخاب نحو 4 ملايين، بحسب أرقام وزارة الداخلية.
عزوف عن المشاركة
وعرف الاستحقاق الانتخابي عزوفا نسبيا من قبل اللبنانيين حيث تشير أرقام وزارة الداخلية إلى أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت حوالي 42 بالمئة، وهي أضعف نسبة منذ أكثر من 13 سنة، حيث بلغت نسبة الاقتراع في انتخابات 2009 -التي تبعها تمديدان للمجلس النيابي، 54 بالمئة.
ومقارنة بالانتخابات الأخيرة التي وقعت عام 2018، فقد تراجعت نسبة المشاركة بنحو 8 نقاط، حيث بلغت في الانتخابات السابقة 49 بالمئة.
وتعكس هذه النسبة مقاطعة أكثر من نصف الشعب اللبناني للانتخابات تعبيرا عن تململ سياسي وشعبي، وتماشيا مع الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة التي عرفتها العاصمة بيروت عام 2019، ضد الطبقة السياسية.
وجاءت هذه النسبة في وقت تعيش فيه البلاد إحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية، بالرغم من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بخصوص قرض مالي.
من جهة أخرى، عجزت قوى المجتمع المدني عن إقناع شريحة واسعة من اللبنانيين بالتصويت لصالحها ضد النخبة الحاكمة، رغم حملاتها الإعلامية والدعائية، فضلا عن تشتت المكون السني بعدما أعلن زعيمها الأبرز سعد الحريري مطلع العام عن عزوفه عن خوض الاستحقاق، في قرار أعقب نكسات مالية وسياسية مني بها في السنوات الماضية.
الفائز والخاسر
على الصعيد السياسي، فإن "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع تعتبر الرابح الأبرز، بناء على النتائج النهائية، بـ19 نائبا من أصل 128، مقابل 15 في 2018، حيث أصبحت القوات اللبنانية أول حزب مسيحي يتقدم على "التيار الوطني الحر" للرئيس ميشال عون.
وحققت القوائم الصغيرة الناتجة عن الاحتجاج الشعبي في أكتوبر 2019 فوزا ملفتا للانتباه مستفيدة من انقسام المشهد السياسي، حيث صعد 13 مستقلا للبرلمان، 12 منهم من الوجوه الجديدة.
ولئن حافظ المكون الشيعي على جميع مقاعده الـ27 داخل البرلمان، فإن حلفاء حزب الله تراجعوا حيث خسر مسيحيو حزب العمال الاشتراكي، ودروز الحزب الاشتراكي، وغيرهم، الذين جعلوا من الممكن منذ 2018 تشكيل أغلبية في البرلمان، عددا كبيرا من مقاعدهم، حيث تقلص عدد مقاعد معسكر حزب الله من 71 إلى أقل من 65، عتبة الأغلبية المطلقة.
ومما لا يثير الدهشة، أن الناخبين السنة خسروا بدورهم، وقد أضعفهم غياب الحزب الرئيسي، تيار المستقبل برئاسة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري الذي دعا إلى المقاطعة، حيث إنهم كانوا مشتتين بين مرشحين مؤيدين ومعارضين لحزب الله.
توزيع المقاعد
وبحسب النتائج التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، فقد فقدت قوى "8 آذار" لصالح قوى "14 آذار" (حليفة الولايات المتحدة والسعودية)، و"قوى التغيير" في الانتخابات البرلمانية التي أُجريت الأحد.
وتصدر حزب الله وحلفاؤه وأبرزهم "التيار الوطني الحر"، المشهد البرلماني السابق من خلال حصد 71 مقعدا، فيما تراجعت حصيلتهم إلى حوالي 60 مقعدا خلال انتخابات 2022.
ومقابل تراجع مقاعد حزب الله وحلفائه،فإنه ارتفع عدد نواب حزب "القوات اللبنانية" و"قوى التغيير"، دون أغلبية مريحة ما ينبئ بمشهد برلماني مقبل متنوع من شأنه أن يؤثر على مشاورات تشكيل حكومة، وبعدها انتخابات رئاسة الجمهورية في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إضافة إلى مستقبل التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وبحسب نتائج وزارة الداخلية، فقد حافظ حزب الله وحركة أمل على 28 مقعدا مجمعة، بما فيها كافة المقاعد الشيعية، والبالغ عددها 27.
وفاز الحزب التقدمي الاشتراكي، الذي يتزعمه وليد جنبلاط، بـ9 مقاعد محافظا على تمثيله بالبرلمان السابق.
بدوره، حصد التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية ميشال عون) 18 مقعدا، مقابل 22 نائبًا بعد استقالة 7 نواب من كتلته السابقة التي تألفت عقب انتخابات 2018 من أصل 29 نائبًا.
وفاز تيار المردة بزعامة سليمان فرنجية، حليف حزب الله، بمقعدين فقط بعدما كانت له 5 مقاعد، وفاز حزب الطاشناق الأرمني بـ3 مقاعد.
أما أبرز الخاسرين فهو الحزب السوري القومي الاجتماعي، حليف حزب الله، والذي لم يفز بأي مقعد عبر مرشحيه، بعدما كان له 3 نواب سابقا.
أما في المعسكر المقابل، ففاز حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع بـ19 مقعدًا، بعدما كانت كتلته بالمجلس السابق مؤلفة من 15 مقعدًا.
وحصد حزب الكتائب اللبنانية 5 مقاعد، بعدما كانت لديه في المجلس السابق 3 مقاعد، فيما حافظ الحزب التقدمي الاشتراكي على تمثيله بالبرلمان السابق، المقدر بـ9 مقاعد.
وصعد إلى البرلمان 3 نواب متحالفين مع حزب الله، ونائبان عن حركة الاستقلال، ونائب عن كل من حزبي الاتحاد والوطنيين الأحرار، ونائبان لجمعية المشاريع، ونائب عن الجماعة الإسلامية.
وبحسب اتفاق الطائف المبرم في 1990 الذي أنهى الحرب الأهلية في البلاد، فإن البرلمان اللبناني يضم 128 عضوا مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، يتوزعون على المذاهب وفق الآتي: للموارنة 34 نائبا، للسنة 27 نائبا، للشيعة 27 نائبا، للروم الأرثوذكس 14 نائبا، للروم الكاثوليك 8 نواب، للدروز 8 نواب، للأرمن الأرثوذكس 5 نواب، وللعلويين نائبان، ونائب واحد لكل من الأرمن الكاثوليك والإنجيل والأقليات.
رئاسة البرلمان
ويتمثل الخطر الرئيسي في انسداد مؤسسي داخل البرلمان أكثر استقطابًا بين المؤيدين والمعارضين لحزب الله، حيث لن يكون تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري، والذي لعب دورا عازلا، موجودا لتخفيف التوترات.
وفي في نظام سياسي يقوم على أساس تقاسم المجتمع للسلطة، سيكون الاختبار الأول هو انتخابات رئاسة البرلمان المخصصة للشيعة، حيث إن من المنتظر أن يبقى رئيس حركة أمل، نبيه بري، في منصب رئيس البرلمان، الذي يشغله منذ عام 1992.
تشكيل الحكومة
وبحسب القانون اللبناني، فإن حكومة نجيب ميقاتي تعتبر مستقيلة، دون الحاجة إلى تقديم استقالة لرئيس الجمهورية ميشال عون، لتنطلق لاحقا مشاورات تشكيل حكومة جديدة.
وأمام التنوع الذي سيكون عليه البرلمان المقبل، فإنه من المنتظر أن يكون مسار تشكيل الحكومة طويلا، على عكس المرات السابقة.
اقرأ أيضا: ترحيب دولي بانتخابات لبنان.. وحزب الله يوجه رسالة لـ"خصومه"
ورغم التراجع الذي عرفته قوى "8 آذار"، فإن حزب الله وحركة أمل سيكونان رقما مهما في مشاورات تشكيل الحكومة، باعتبار أنهما ضمنا 27 نائبا شيعيا وبعض الحلفاء المحتملين. كما أنه سيكون للنواب المستقلين البالغ عددهم 13 دورا مهما، في انتظار مع من سيتحالفون.
اختبار حقيقي
وسيكون البرلمان اللبناني أمام اختبار آخر في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، عندما يُطلب من البرلمان انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للمنتهية ولايته ميشال عون والبالغ من العمر 88 عاما، فيما يُخصص منصب رئيس الجمهورية للمكون المسيحي.
وفي البرلمان السابق، استفاد عون من تصدر حزب صهره جبران باسيل ليصل إلى قصر بعبدا حين كان التيار الوطني الحر يتصدر المشهد النيابي.
لكن في هذه المرة، فقد التيار الوطني الحر الأغلبية داخل البرلمان لفائدة القوات اللبنانية التي يرأسها سمير جعجع.