هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تحولت الأنظار نحو إقليم قره باغ، الذي يعد أحد أقدم النزاعات في العالم، والمحتل من أرمينيا منذ 30 عاما، وسط تخوفات من أن يدفع النزاع جنوب القوقاز إلى شفا حرب واسعة النطاق.
وتمكن الجيش الأذري، من بسط سيطرته على قرى ومواقع عدة في إقليم قره باغ، مع اتهامات متباينة بين باكو ويريفان، باستجلاب "مرتزقة" للقتال على الجبهات بين الطرفين.
وتصاعدت حدة القتال، بين أذربيجان وقره باغ، إذ تبادل الجانبان القصف بالصواريخ والمدفعية، في أعنف جولة من الصراع المستمر منذ أكثر من ربع قرن.
وتحتل أرمينيا منذ عام 1992 نحو 20 بالمئة من الأراضي الأذرية، التي تضم إقليم "قره باغ" (يتكون من 5 محافظات)، و5 محافظات أخرى غرب البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي "آغدام"، و"فضولي".
وبعد إعلان الأحكام العرفية من قبل الإدارة الانفصالية في ناغورنو قاره باغ، المدعومة من يريفان، تم إعلان الأحكام العرفية والتعبئة في أرمينيا، بينما أعلنت الحكومة الأذرية حالة الحرب.
وقال الرئيس الأذري، إلهام علييف: "أنا واثق من أن عمليتنا الهجومية المضادة الناجحة ستضع حدا للظلم، والاحتلال المستمر منذ 30 عاما".
ويشير التقرير الآتي، إلى أربعة أسئلة، توضح خلفية الصراع في إقليم قره باغ، الذي بات يشتعل ما بين الفينة والأخرى، دون التوصل لحل دولي ينهي هذه الأزمة.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن السلام سيتحقق في منطقة جنوب القوقاز "فور انسحاب أرمينيا من أراضي أذربيجان المحتلة".
وأضاف: "لقد أتاحت التطورات الأخيرة لجميع الدول النافذة في المنطقة الفرصة لوضع حلول واقعية وعادلة، ونأمل أن تستغل هذه الفرصة بأفضل طريقة ممكنة".
السؤال الأول: كيف بدأت أزمة قره باغ؟
وكلمة ناغورني تعني بالروسية جبال أو مرتفعات أما كلمة قره باغ فتعني الحديقة السوداء، فلذلك يمكن ترجمة الاسم إلى جبال الحديقة السوداء. ويعرف الإقليم باسم أرتساخ في أرمينيا وهي كلمة مكونة من جزئين الأولى أرا وهو إله الشمس عند الأرمن القدماء، والكلمة الثانية هي تعني الغابة أو الكرمة لذلك يعني الاسم الأرمني غابة أو كرمة الإله أرا. أما الأذر فيعرفونها باسم بخارى قره باغ أي قره باغ العليا.
يعد الصراع في ناغورنو قره باغ، وهي منطقة يسكنها منذ قرون أذريون مسلمون وأرمن مسيحيون، قديما جدا.
وعلى الرغم من أن الأرمن والأذريين عاشوا في سلام نسبي في المنطقة، التي أصبحت جزءا من الإمبراطورية الروسية في القرن التاسع عشر، فقد وقعت أحداث دامية بين المجموعتين في أوائل القرن العشرين.
وبعد الحرب العالمية الأولى، والثورة البلشفية في روسيا، تغير الهيكل السياسي للمنطقة، وفي بداية العشرينيات من القرن الماضي، وأنشأ الاتحاد السوفييتي إقليم ناغورنو كاراباخ المستقل في جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفييتية، والتي نشأت فيها غالبية الأرمن.
ومن أجل تسهيل حكم موسكو في المنطقة، تمكن الهيكل السياسي الذي تم إنشاؤه على مبدأ "فرق تسد" من ضمان السلام في المنطقة لفترة طويلة، ولكن مع ضعف السيطرة السوفييتية نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، أدى الصراع الأذري-الأرمني في المنطقة للانفجار.
وتسبب قرار إدارة ناغورنو قره باغ بالانضمام إلى أرمينيا أولا ثم إعلان الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، في تحول الصراعات في المنطقة إلى حرب واسعة النطاق.
وصوتت الأغلبية لصالح الاستقلال في استفتاء أجري في قره باغ في كانون الأول/ ديسمبر 1991، ما يعني إعلان الاستقلال أحاديا عن أذربيجان، لكن المواطنين من أصل أذري، لم يشاركوا في الاستفتاء بحجة أنه غير شرعي.
وبما أن الدستور السوفييتي لم يمنح سوى 15 جمهورية سوفييتية سابقة الحق في الاستقلال، فقد اعتبر إعلان قره باغ الاستقلال مخالفا للقانون الدولي.
ولا تعترف غالبية الدول بشرعية إعلان استقلال قره باغ. التي لم تكن مؤهلة لذلك أيضا، بسبب وضعيتها كمنطقةٍ ذاتية الحكم. علاوة على أنّ إعلانات الاستقلال الأُحادية ترفض عادة بسبب انتهاكها القانون الدولي.
ومع إعلان أن الاستفتاء غير قانوني، فقد أنهت إدارة باكو وضع الحكم الذاتي لقره باغ، وتصاعد النزاع بين أذربيجان وأرمينيا ليتحول إلى حرب استمرة لمدة ثلاث سنوات.
وتعتبر الأحداث التي قتلت فيها القوات الأرمنية مئات المدنيين في خوجالي في شباط/ فبراير 1992 أكثر فترات الحرب دموية، وبحسب معطيات السلطات الأذرية، فإن المذبحة، التي راح ضحيتها 600 شخص، ما زالت تُعرّف على أنها "مأساة" من قبل المجتمع الدولي، بينما تعتبرها أذربيجان "إبادة جماعية".
وأسفرت الحرب التي استمرت ثلاث سنوات، عن مقتل 20- 30 ألف شخص، فيما اضطر نحو مليون آخرين للنزوح من المناطق التي يقطنونها.
واضطر الأذريون، الذين كانوا يشكلون 25 بالمئة من سكان المنطقة قبل الحرب، لمغادرة ناغورنو قاره باغ، فيما اضطر الأرمن الذين يعيشون في مناطق أخرى من أذربيجان إلى مغادرة هذه المناطق بسبب الهجمات، وكلا الجانبين لا يزالان غير قادرين على العودة إلى منازلهم حتى اليوم.
السؤال الثاني: كيف تبدو الحالة الراهنة في إقليم قره باغ؟
وعلى الرغم من توقف الاشتباكات العنيفة في المنطقة بتوقيع وقف إطلاق النار بوساطة روسيا عام 1994، لم تتوصل الأطراف لاتفاق سلام.
ويعد "بروتوكول بيشكيك" اتفاقا مؤقتا لوقف إطلاق النار، تم توقيعه من قبل ممثلي أرمينيا، وإقليم قره باغ غير المعترف به دوليا، وأذربيجان، وممثل روسيا في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا فلاديمير كازيميروف في 5 أيبار/ مايو 1994 في بيشكيك.
وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار وعدم القيام بعمليات عسكرية متبادلة، وانسحاب القوات من "المناطق المسيطر عليها"، وإعادة تشغيل البنية التحتية، وتوقيع اتفاق ملزم قانونيا ينص على عودة من نزحوا من ديارهم.
واعترضت أذربيجان بذلك الوقت على "المناطق المسيطر عليها" بالنص، وطالبت بإجراء تغييرات في الوثيقة، ليتم الموافقة بعدها على اعتماد كلمة "المناطق المحتلة".
ومع وقف إطلاق النار، تم تشكيل إدارة حكم أمر واقع تدعمها أرمينيا في منطقة قره باغ، بينما بقيت الأراضي الأذرية المحيطة بقره باغ تحت الاحتلال أيضا، وعلى الرغم من استمرارها فلم تعترف أي دولة أو منظمة دولية بالإقليم الانفصالي منذ 30 عاما.
وعلى الرغم من دعم أرمينيا للإقليم المنشق ماليا وعسكريا، فإنها لم تتخذ أيضا خطوات للاعتراف بناغورنو- قره باغ.
وعلى الرغم من أن وقف إطلاق النار الهش المدعوم من أرمينيا والوضع الراهن في المنطقة أديا إلى اشتباكات ساخنة بين الطرفين من وقت لآخر لسنوات عديدة، فقد كان اللقاء بين زعيمي البلدين إشارة لإحياء عملية السلام.
وشهد أيار/ مايو وتشرين الثاني/ نوفمبر 2009 تقدما كبيرا في المحادثات بين البلدين، ولكن العملية توقفت في مرحلة ما، ومنذ ذلك الحين تشهد المنطقة انتهاكات عدة لوقف إطلاق النار.
وفي عام 2016، اندلعت اشتباكات بين الطرفين، على غرار الأحداث الجارية اليوم، وأدت إلى مقتل العشرات من الجنود.
السؤال الثالث: ما الذي تريده الأطراف؟
وعلى الرغم من أن مشكلة ناغورنو قره باغ تعد إحدى المشاكل العالمية التي تهدد السلام الدولي، فإنها تحولت إلى مشكلة لم يتم التوصل بشأنها لأي حل طوال السنوات الـ30 الماضية، وبقيت قضية هامشية.
وتسعى أذربيجان، التي تحتل أرمينيا حوالي 20 في المئة من أراضيها المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، إلى استعادة هذه الأراضي وضمها إليها.
وتعد أرمينيا، من جهة أخرى، الوصي الأكبر والفعلي للإقليم، حيث يشكل الأرمن حاليا فيه الأغلبية، وباكو ترى أن يريفان التي تشرف على الإقليم تسعى لخلق حالة فعلية مماثلة لتلك التي أنشأها الاحتلال الإسرائيلي مع مرتفعات الجولان المحتل.
واعتمد مجلس الأمن 4 قرارات، طالب فيها أرمينيا بالانسحاب من المناطق التي احتلها، لكنها لم تقبل ذلك، فيما تشدد باكو على رفضها الدخول في أي مفاوضات قبل انسحاب القوات الأرمينية من المنطقة.
وتقبل باكو بأن يكون إقليم قره باغ ذا حكم ذاتي عالي المستوى مع انسحاب الجيش الأرمني، وإنهاء حالة الاحتلال، فيما تطالب يريفان بأن تكون المنطقة مستقلة بشكل كامل عن أذربيجان.
التصعيد في تموز/ يوليو الماضي
وشنت أرمينيا، في 12 تموز/ يوليو الماضي، هجوما مفاجئًا بالمدفعية على مواقع أذرية في منطقة توفوز الحدودية شمالي قره باغ، ما أدى إلى نشوء توتر استمر أياما عدة بين الجانبين.
وتتهم باكو سلطات يريفان، بالسعي لنقل التوتر إلى توفوز الاستراتيجية، التي تعد نقطة العبور لجميع خطوط أنابيب الطاقة الرئيسية الثلاثة في المنطقة، حيث تريد أرمينيا تعزيز هيمنتها هناك.
وتعد خطوط الكهرباء التي تمر عبر توفوز، مفتوحة للعالم من خلال جورجيا وتركيا، وتلعب دورا هاما في الاستقرار السياسي والاقتصادي لأذربيجان.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن فتح جبهة ثانية في شمال هذه المنطقة بعد ناغورنو قاره باغ يمكن أن يغير نطاق الصراع بين البلدين، وأن يوفر لأرمينيا مزايا عسكرية وسياسية حاسمة.
السؤال الرابع: ما هي مواقف الفاعلين الدوليين؟
روسيا: تعتبر إدارة موسكو، وهي واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في الصراع الذي دام عقودا بين أذربيجان وأرمينيا، حليفا تقليديا لأرمينيا.
كما أن روسيا التي تعد أكبر مورد للأسلحة للسلطات الأرمنية، أهم داعم لأرمينيا في حرب أوائل التسعينيات، وكانت الوسيط في عملية وقف إطلاق النار حينها والتي لم تنتقل لمرحلة حل الإشكالية.
ولكن على الرغم من العلاقات الحميمية بين أرمينيا وروسيا، فإن الأخيرة أيضا لها علاقاتها الجيدة مع أذربيجان، وقامت ببيع الأسلحة لها في السنوات الأخيرة.
وبعد الاشتباكات الأخيرة، جاءت تصريحات جيدة من موسكو، ودعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأطراف إلى الجلوس على الطاولة وحل المشكلات من خلال الحوار.
تركيا: وتعد أنقرة أكبر داعم لأذربيجان من الناحية التاريخية والسياسية والعسكرية ضد أرمينيا، التي تدعمها روسيا.
وشددت تركيا في بياناتها وخطابات أردوغان والمسؤولين الأتراك، على أنها تدعم أذربيجان بكافة الوسائل، لكنها في الوقت ذاته تتفق مع روسيا على خفض التصعيد بالتوافق مع موسكو والبدء بالحوار.
أما على الطرف الآخر، فإنه لا يوجد علاقات دبلوماسية بين تركيا وأرمينيا.
إيران: عرضت طهران، وهي قوة هامة أخرى في المنطقة، على البلدين الوساطة لحل المشاكل بينهما.
ولكن عند تقييم الموقف الإيراني، فإنه تجدر الإشارة إلى أن جزءا كبيرا من السكان الذين يعيشون في شمال إيران هم من أصل أذري، فضلا عن الخط الحدودي الطويل مع أذربيجان، وأن السياسة الخارجية التقليدية لإيران تقوم على منع حراك انفصالي.
الولايات المتحدة: لم يكن موقف واشنطن التي فقدت وزنها مؤخرا في حل المشاكل الدولية، واضحا من التوتر المتصاعد في جنوب القوقاز.
وفي تعليقه على التوتر في قره باغ، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ إن الولايات المتحدة ستسعى إلى وقف أعمال العنف بين أرمينيا وأذربيحان.
وأضاف ترامب: "لدينا قدر كبير من العلاقات الجيدة في هذا المجال. سنرى ما إذا كان بإمكاننا وقفه".
ولكن رغم ذلك، فإن الأجندة الداخلية التي تغذيها الانتخابات الأمريكية المقبلة، قد تمنع اتخاذ واشنطن موقفا وموقعا هاما في القوقاز.