صحافة تركية

قبل "كورونا".. هكذا غير "الموت الأسود" أوروبا قديما

أدى تفشي "الموت الأسود" في أوروبا إلى وفاة 25 مليون شخص- جيتي
أدى تفشي "الموت الأسود" في أوروبا إلى وفاة 25 مليون شخص- جيتي

يعيد الزحف الذي يسببه "كورونا"، في أوروبا، وحصد الآلاف من الأرواح، الذكريات إلى وباء الطاعون الذي قتل ما يقارب الـ25 مليون شخص.

 

وفي تقرير للكاتب إيرهان أفيونجو، أشارت صحيفة "صباح" التركية في تقرير ترجمته "عربي21"، إلى التغيرات التي أحدثها وباء الطاعون في الفترة 1346- 1353 ميلادية، في تغيير للبنية السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والاجتماعية لهيكل القارة الأوروبية.

 

ولفتت إلى أنه بعد انتهاء وباء الطاعون، ظهرت معالم التحولات الكبيرة التي أحدثها في أوروبا.

 

تنظيم المجتمع

 

وأشارت إلى أنه بعد الطاعون، فهم الناس أهمية الحياة، وأصبحت الدقائق مهمة للغاية، وتسبب عدم القدرة على وقف الطاعون، في تحول أعين الناس إلى الطبيعة، وما يجب القيام به لتجنب العجز في مواجهتها.

وأضافت أن الوباء أدى لتقويض العلاقات الاجتماعية، ما جعل الأسر غير قادرة على رؤية بعضها البعض، وصلت لدرجة أنه إذا توفي أحد فلا يجد أقاربه أحدا ليساعدهم في إجراءات الجنازة، وأما الأشخاص الذين يخشون من الموت ولديهم أموال، فكتبوا وصاياهم حتى لا يستولي أحد على أموالهم، وأصبح "كاتب العدل" مطلوبا للجميع.

 

 

وأشارت إلى أنه تطور مفهوم الصحة العامة، وتحول المستشفيات التي أسست من أجل الحجر الصحي، لتحمل هوية جديدة، وبدأ الطب بالتطور بشكل فعلي.

 

ثقافة الحمّام.. أعشاش الخطيئة

ونوهت إلى أن "ثقافة الحمّام" كانت مهمة للغاية في العصر الروماني، لكنها فقدت سمعتها بشكل كبير بسبب الوباء، ووفقا للكنيسة فإن المراحيض والحمامات العامة كانت "أعشاش الخطيئة".

وأغلقت تلك الحمّامات بضغط من الكنيسة، حيث كان يعتقد أن الله أرسل الطاعون لمعاقبة الناس بسبب خطيئاتهم فيها.

ولفتت إلى أنه في العصور الوسطى، قتلت القطط، لأنه كان يعتقد أنها تجمع الأرواح الشريرة، ولذلك فقد قامت الكنيسة بإصدار أمر لقتلها، لتنتشر الفئران بسبب انخفاض عدد القطط، وانتقال الطاعون من خلال الفئران أنهى تلك المذبحة.

 

 

 

التحولات الاقتصادية

 

وأضافت، أنه بينا كانت البطالة منتشرة قبل الطاعون، ومع انخفاض عدد السكان بسبب وفيات الوباء، ازدادت قيمة العمال وزادت أجورهم بمعدل 25 بالمئة.

 

وحرر اللوردات العبيد ليصبحوا عمالا لديهم، وانخفضت إيجارات الأراضي وأسعارها، بسبب عدم وجود عمال لفلاحتها لديهم، وبذلك أصبح القرويون سادة أراضيهم.

 

وأوضحت أنه بسبب قلة عدد العمال، فإن جميع طلباتهم تمت تلبيتها، واستطاع العمال الحصول على مطالب عادلة لهم منها تنظيم ساعات العمل.

 

وأشارت إلى أنه عندما لا يحصل العمال على شروطهم والأجر المناسب، فقد أصبح من السهل ترك العمل والبحث عن أماكن عمل أخرى، لافتة إلى أن ثورات الفلاحين تزايدت ضد الضرائب والسياسات النقدية والممارسات الأخرى بحقهم.

 

وذكرت الصحيفة، أن الوباء غير من طبيعة نظر الأوروبيين للنساء العاملات، لافتة إلى أنه مع تزايد الحاجة إلى القوة العاملة، فقد بدأت المرأة بالعمل في وظائف لم تقبل بها من قبل، وتمكنت النساء من الارتقاء في الوظائف التي كن يعملون فيها، وحلت الأرامل بدل أزواجهن في العمل.

 

ونوهت إلى أنه نتيجة للبحوث الرامية إلى القضاء على الفجوة الناجمة عن الحاجة إلى العمال، فقد ظهرت الآلات الصناعية.

 

ونظرا لانخفاض عدد السكان، وتضرر التجارة بسبب تقلص أسواقها، فقد بدأ التجار يبحثون عن أسواق جديدة خارجة القارة، بدلا من إيطاليا التي تضررت وكانت تعد أهم ممثل للتجارة البحرية.

 

 

أنقذت الغابات والمراعي

 

قبل وباء الطاعون، كانت المشاكل الناجمة عن تزايد عدد السكان والتغيرات المناخية، قد ساهمت في حدوث المجاعات، ولكن مع انخفاض عدد السكان وانخفاض الطلب على المنتجات الزراعية، انخفضت الأسعار، وأصبحت أسعار الحيوانات أرخص، وبعد تفشي المرض، ازدادت نوعية التغذية، ووفرتها أمام عدد قليل من الناس، وارتفع مستوى المعيشة وانخفضت أسعار الكثير من الأغذية.

 

وذكرت الصحيفة، أنه بالمقابل ارتفعت أسعار المنتجات الصناعية، لاسيما تلك التي تسعى لتوفير العمالة البشرية، ومع وفاة الكثير من الحرفيين الجيدين بالعمار، انخفضت جودة أعمال بناء.

 

وأشارت إلى أنه في تلك الفترة، أصبح الموت أمرا شائعا، بحيث أصبحت الهياكل العظمية نموذجا للفنانين الذين أصبحت المعاناة والموت موضع اهتمام في أعمالهم.

 

وأضافت أن أوروبا كانت في القرن الثالث عشر، على وشك أن تصبح صحراء لا شجر، بعد تحويل الغابات والمراعي إلى حقول بسبب الكثافة السكانية وتزايدهم.

 

ولكن مع الوباء، ومع انخفاض تعداد السكان، أنقذت المراعي والغابات، وازداد عدد الأبقار والأغنام، ونمت صناعة الصوف مع زيادة أعداد الأغنام التي من السهولة العناية بها.

 

 

اهتزت سلطة الكنيسة.. بدأت حركة الإصلاح

 

ولفتت الصحيفة، إلى أن الطاعون أضعف سلطة الكنيسة، كما أن اللغة اللاتينية فقدت مكانتها في العبادة والتعليم، بسبب ارتفاع معدل الوفيات بين رجال الدين، وازداد عدد الأشخاص الذين يتحدثون اللغات المحلية من رجال الدين.

 

وارتفعت الأصوات المتحدثة باللغة المحلية في الجامعات والمحاكم وكذلك في الكنائس، وبدأت الترجمة لأعمال العديد من الفلاسفة والكتاب القدماء إلى اللغات المحلية.

 

وبدأ الكتاب المحليون بكتابة مؤلفاتهم وأعمالهم المهمة بلغتهم، وأدى فقدات السلطة وسمعة الكنيسة، في ظل خيبة أمل الشعوب فيهم إلى حركة الإصلاح.

 

 

برزت المدارس المهنية

 

"بغض النظر عن المالك الذي تملكه، بمالك لن تجد أي شيء تحتاجه في أوقات الأزمات، ولن تنهض الدول إلا بالقدرات والإمكانيات، ومن أجل ذلك، فالناس بحاجة لوضع خريطة طريق جديدة للإنتاج الصناعي والزراعي، لذلك برزت المدارس الحرفية والمهنية".

 

ولفتت الصحيفة إلى أن التدريب المهني يكتسب سمعة عالية حتى التسعينيات، وبسبب سمعتها الجيدة كان الإقبال عليها كبيرا من الطلاب، والتي بدأت بالتلاشي بسبب التوجه نحو التعليم المكتبي.

التعليقات (0)