كتاب عربي 21

كورونا سياسية (إلى الرئيس- 13)

جمال الجمل
1300x600
1300x600
(1)
لماذا يخاف الناس من كورونا يا سيادة الرئيس؟

ألأنه يقتل الناس؟

لكن الرؤساء يقتلون أكثر، والمخدرات، وحوادث الطرق، والإنفلونزا العادية، والديمقراطية الأمريكية في بلادنا، والحرب ضد الإرهاب، والسجون في مصر، والهم والخوف...

فلماذا يتعايش الناس والمنظمات والوزارات بوداعة وتفهّم مع كل هؤلاء القتلة، وينتفضون ضد كورونا؟

(2)
عشت ستين عاما وخمسين موجة فزع من الأوبئة، لذلك لا أعاني من فوبيا كورونا يا سيادة الرئيس، بل علمتني الأكاذيب الكبيرة ألا أخاف من أي فوبيا، مع احترامي وتقديري لـ"فوبياك المهيبة". لن أتوهم العلم العميق وأستفيض في الحديث عن مافيا الأدوية، وعن دور الإعلام المريب أو الساذج أو الفاضي، وعن المظاهرات التي تتبارى فيها أنظمة ومؤسسات دولية لتقديم نفسها كحارسة لصحة العالم، أو عن الحروب الفيروسية الخفية التي تشنها أجهزة استخبارات دولية لاستكمال حروبها الاقتصادية والسياسية حول العالم، فالصراع مع الصين لن يقف عند تحرشات رسوم الجمارك وصراع "مستر دولار" مع "مستر يوان" أو "شينشينج يوان". ربما أرغب في الحديث عن صناعة الخوف، عن الصناع وعن حجم مستهلكي هذه السلعة في العالم، لكنني أخاف أن يساهم ذلك في صناعة الخوف، بطريقة إسماعيل ياسين رحمة الله عليه: خايف أخاف.

(3)
تعرف يا سيادة الرئيس، أنني أحيانا ألوم نفسي على استخدام "لغة الخفة" لبتي استخدمها مع أساطين السلطة المهابة، وأقول يا جدع بقى التزم باللغة الرسمية والديباجات الفخمة التي تليق بمخاطبة علية القوم، وإلا حاربوك ونبذوا كلماتك، ثم أقول لنفسي باسماً: وهذا هو المطلوب، المطلوب ألا تفتح لي الكلمات المنمقة بابا مع سلطة، المطلوب ألا يبني المثقف جسرا مع قصر الحاكم، المطلوب ألا يكون بينهما عشم الود ولا تبادل المجاملات.

هذه هي لغة نيوتن يا سيادة الرئيس، اللغة التي تثبت نفسها من خلال الاحتكاك والفعل ورد الفعل المضاد، وأي محاولة لوضع طرفي المقص في جانب واحد، فإنها ليست حماقة لتعطيل الوظيفة ونسف الدور. لا بد أن تكون حركة المثقف في الاتجاه المضاد للسلطة.. كل سلطة، وهذا يعني أن صراعي معك كسلطة لن ينتهي إلا بسقوط واحد منا وتخليه عن دوره.

أعرف أن هذه اللغة تزعجك وتزعج الكبار من حولك، فقبل خمس سنوات تقريبا اتصل بي شخص عزيز، بيننا خلاف كبير في التوجهات والسياسات، وبيننا احترام وتقدير أكبر من هذه الخلافات، وقد حدثني في ذلك الموضوع بشكل مباشر، وقال إنني يمكن أن استأنف الكتابة من الغد بشرط التخلي عن اللغة الساخرة من الكبار، وأن أتوقف عن سلسلة "حواديت العباسيين"، بل أتجنب ذكر كلمة "عباس" في أي مقال، ولما كتبت بعدها بأيام مقالا عن رواية يوسف إدريس "العسكري الأسود" تم تعطيل المقال عن النشر، ولما سألت في الصحيفة لم يرد مسؤول النشر، لكن رئيس التحرير حينذاك، قال بتكتم: انت عارف، وأنا مش هقدر أصرح، ولما سألته بوضوح: هل هناك قرار جديد بالمنع أم خلاف على فقرة أو فكرة؟

قال: خلاف للاتفاق.

قلت احذف ما تراه مخالفا، فالمقال أدبي بمناسبة ذكرى ميلاد يوسف إدريس، وليس في رأسي رسالة سياسية تستحق إيقاف المقال.

ولما تم الحذف والنشر، فوجئت أن السطور المحذوفة هي التي تتضمن اسم بطل الرواية "عباس الزنفلي"، فضحكت حتى انقبض قلبي من الخوف على الكتابة في زمن الفوبيا.

(4)
صدقني يا سيادة الرئيس، أحيانا أشاهدك وأشاهد أحمد موسى وخالد صلاح والأولاد والبنات اللامعين في مؤتمر الشباب، فأقول لنفسي: بلال ناجح، بلال مشهور، بلال يرتدي أغلى الماركات العالمية، بلال يسمع الكلام، بلال يصعد ويدلف من كل الأبواب، فلماذا لم أكن مثل بلال؟ لماذا أفكر كالفقراء، وأعيش كالفقراء، وأظهر مثل الفقراء؟

سألت نفسي: هل لغتي مبتذلة وكلماتي بذيئة في مقابل لغة: حضرتك وسيادتك وافندم ومعاليك..؟

وأعترف لك يا سيادة الرئيس أنني لم أستطع أن أتخلى عن هذه اللغة المدببة، لأنني أكره "اللغة الخشبية" التي وصف بها جورج أورويل لغة الساسة والرسميين من ذباب البلاط في عصره، كما أنني اشتغلت طويلا على لغة التجاوز والانتهاك، فلم تعد نفس اللغة البذيئة المستخدمة عفويا في الشارع، لكنها لغة تهكمية مثل مشرط الجراح؛ تعرف أين تقطع بدون أن تنحرف إلى عنصرية أو تحريض على الكراهية والعنف، لكنها تسعى لبتر الأعضاء الفاسدة وتحطيم العقبات التي تسد طريقنا نحو المستقبل. قد تكون لغة خفيفة وكاسرة وجارحة، لكنها تفعل ذلك بوعي الجراح لا بساطور الابتذال (كذلك الذي يحمله شتامك المطلوق مرتضى منصور)، وحسب فرانسوا ريكار لا يساوي بين الخفة والبذاءة إلا جاهل أو مدعي علم توقف له الزمان، وأضيف إلى ذلك الرؤساء ومسؤولي الأجهزة الأمنية والشيخ علي جمعة مؤسس حملة "أخلاقنا" رحمة الله عليها.

(5)
ماذا أستهدف من كتابة هذه المقالات برغم أنها لا تتوجه إليك برسالة أو نداء؟

تلقيت الاستفسار من كثيرين، وهذا يزعجني لأنه دليل أكيد على أنني أكتب في الفراغ، فلا أحد يقرأ أو يتذكر ما يكتبه الكاتب من قبل. المرحلة كلها تهتم باللحظة المعاشة تحت الاقدام، والحديث عن الذاكرة أو التاريخ صار مثل الحديث عن "رئيس جيد" أو مثل الحديث عن الأطباق الطائرة؟ كلام كثير وحقيقة غائبة، لكن لا بأس من التكرار.

وأرجو ألا تغضب أو تنجرح من صراحتي سيادتك، فأنا أكتب هذا الكلام الخفيف تحت هذا العنوان المهيب، لنزع القداسة عن مكانة السلطة، وكسر الخوف من "فوبياك" في النفوس، والأهم من ذلك أنني أحارب الإرهاب والسلطة الفاسدة معا، لأن انتهاك السلطة بالسخرية منها فرض يستلزمه وضوء الفهم. فنحن لا نبتذل السلطة بجهل، ولكن نسخر من "غشوميتها" ومن "غطرستها" ونحاربها بالسخرية بدلا عن العنف، كما أشار ألبير قصيري في رواية "العنف والسخرية". إذن فإننا بالسخرية الواعية نجفف منابع الإرهاب، ونسعى لمواجهة السلطة الفاسدة وهدمها من غير استخدام الأسلحة العتيقة في صراعات الناس والسلطة، ولهذا نسخر و"نمسخر" حتى لا نخوض مثلك في معارك الدوم وتصفية الخصوم بأساليب المجرمين الذين تعلموا (بحكم تغير الزمن وضروة المناصب) ارتداء الكرافتات والحديث المنمق، ورش العطور الغالية على مؤسسات العفن.

(6)
شيء آخر أريد أن أزعجك به يا سيادة الرئيس..

أقوى الرسائل تلك التي لا تناشد ولا تنتظر ولا تشتم ولا تشمت، فهذه كلها أمور يقتلها الوقت، وتكفي فيها شتائم الناس اليومية لتنفيث الغيظ من سلطة ظالمة، لكن هذه الرسائل ستبقى.. النصوص المكتوبة إدانة تاريخية، ونأمل أن يأتي اليوم الذي تلتقي فيه إبرة هذه النصوص مع بالونة الكذب والتورم الذي تعيشه السلطات المنفوخة ظلما وقمعا في بلادنا.. وحتما سيأتي ذلك اليوم بعون الله.

وتتواصل الرسائل..

[email protected]
1
التعليقات (1)
حمدى مرجان
الخميس، 20-02-2020 08:19 ص
استاذنا الفاضل / هذه ملفات السيسي التي جعلت منه ( ضرورة ) ( تيران وصنافير ضياع ، مياه النيل ضياع ومعها الكهرباء والزراعة واشباء اخرى كثيرة ، المياه الاقتصادية في المتوسط ضياع ، سيناء واهلها ضياع ، الاقتصاد ضياع ، صفقة القرن ضياع فلسطين ، الديون ضياع ، السجون ضياع ، الحريات ضياع ، والان النبش في الدين والهوية وتركيبة المجتمع وطبقاته وتسيد للفساد والموافقين وانصاف المتعلمين وعديمي الثقافة ، لم يفلح في ملف واحد ، واذا نظر في المرآة لوجد السبب ولكنه ينظر وينتظر من امريكا تحل مشاكله

خبر عاجل