مقالات مختارة

ألمانيا و«صفقة» الجنائية الدولية!

هاني حبيب
1300x600
1300x600

مع مطلع العام 2017، شهدت العلاقات الإسرائيلية ـ الألمانية، توترا ملحوظا، خاصة بعد أن أرجأت المستشارة أنجيلا ميركل مشاورات كانت مجدولة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، على خلفية الموقف الألماني الرافض والمُدين للاستيطان، وذلك قبل أن يرفض هذا الأخير اللقاء مع وزير الخارجية الألماني السابق سيغمار غابرييل في أثناء زيارته لإسرائيل، عندما التقى الأخير مع منظمات حقوقية إسرائيلية معارضة للاستيطان، في وقت اعترف فيه السفير الإسرائيلي في برلين يعقوب هيدس هيندلسمان، «أن هناك تراجعا لدى قناعات الجيل الألماني الصاعد بالمسؤولية عن المحرقة النازية، كما أن هناك صعوبة متزايدة في المحافظة على مستوى مميز من العلاقات بين الجانبين، حتى عندما لا تكون هناك خلافات سياسية بينهما» [«يديعوت أحرنوت 8/3/2017].


إلا أن الحال قد تغير بشكل ملحوظ، بما يشبه الانقلاب تقريبا، بعد مغادرة غابرييل لمنصبه ليحل محله هايكو ماس، الذي قال في أولى مقابلاته الصحفية بعد تولّيه المنصب، إن الدفاع عن أمن إسرائيل ومكافحة معاداة السامية، هي في قلب السياسة الخارجية لألمانيا، معتبرا أن ذلك بوصلة في طريق السياسة، وإن أولى مهماته العمل على إزالة التوترات التي حدثت في العلاقات بين البلدين [«الخليج أون لاين» 25/3/2018].


في تصريحاته الصحفية، وقبيل زيارته لإسرائيل ودولة فلسطين في نيسان 2018، تجاهل وزير الخارجية الألماني ماس، أي حديث عن الاستيطان الإسرائيلي، وهو الأمر الذي كان محور التوتر والخلافات بين البلدين قبل تسلم هذا الأخير منصبه كوزير للخارجية، وقد ظهر ماس في المؤتمر الصحفي مع نظيره الفلسطيني رياض المالكي في المؤتمر الصحفي، الذي جرى بعد زيارة الوفد الألماني لفلسطين، وليس مع الرئيس عباس كما جرت العادة. وحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن الرئيس الفلسطيني لم يكن راضيا عن تفوهات وتصريحات وزير الخارجية الألمانية الجديد.


هذه المقدمة الطويلة نسبيا، كانت في تقديرنا ضرورية للوقوف على خلفية الموقف الألماني المعلن مؤخرا من تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية حول الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وكانت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا قد أعلنت أواخر العام الماضي، أن هناك أساسا معقولا يمكن من خلاله فتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية، إلا أن المحكمة عادت قبل حوالي شهر لترفض طلب المدعية العامة إصدار حكم بشأن الولاية الإقليمية للأراضي الفلسطينية المحتلة، تمهيدا لفتح تحقيق جنائي في جرائم الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، لأسباب تقنية تتعلق بطول الطلب، لكي تعود بن سودا لتشير إلى ضرورة اللجوء إلى الدائرة التمهيدية الأولى لطلب حكم منها بشأن الولاية الإقليمية على الأراضي الفلسطينية، بمعنى أن الأمر ليس تقناً أو فنيا أو طول الطلب، بقدر ما أن هناك قوى ليست خفية تتدخل لعرقلة المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الاحتلال، من هنا جاء التدخل الألماني الوقح، عندما تقدمت برلين إلى المحكمة بأن تكون صديقة لها في الإجراءات المتعلقة بفحص صلاحية السلطة القضائية للمحكمة الدولية في قضايا متعلقة بالولاية الإقليمية، خاصة في القضايا، أي بالجرائم المتعلقة بقطاع غزة، ذلك أن ألمانيا، حسب صحيفة «هآرتس»، تتشكك في أن المحكمة «مسيّسة»، وهو الموقف ذاته الذي سبق لدولة التشيك اتخاذه، وهي التي تتشارك في تحالف أوروبي شرقي «تحالف فايسغراد» يضم هنغاريا وبولندا وسلوفاكيا، وتحكم جميع هذه الدول أحزاب يمينية قومية، ترتبط بسياسات مؤيدة لإسرائيل، وحكومة نتنياهو على وجه التحديد، التي شكلت مؤخرا لوبيا ضاغطا حتى لا يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا جادا وواضحا تجاه ما يسمى بصفقة القرن، الأمر الذي دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي بوريل، إلى أن يُصدر البيان من مكتبه وباسمه.

 


ومن المقرر أن تنظر المحكمة، اليوم، في الطلبات كافة للانضمام للإجراءات المتعلقة بالولاية الإقليمية، حيث من المتوقع أن تنضم دول أخرى من بينها النمسا، ما يشير إلى أن معركة سياسية دبلوماسية، لا بد من شنها على المستويات كافة لدعم المدعية العامة من جهة، ولدفع الجنائية الدولية إلى أن تتولى مسؤوليتها، كما عبرت عنها لدى الإعلان عن البدء بإجراءات التحقيق في جرائم الاحتلال!

 

(الأيام الفلسطينية)

0
التعليقات (0)

خبر عاجل