كتاب عربي 21

"كورونا" ليس عقابا إلهيا

محمد عايش
1300x600
1300x600

الادعاء أو الاعتقاد بأن فيروس "كورونا" هو عقوبة إلهية ضد الصين بسبب ارتكابها انتهاكات بحق المسلمين الإيغور أو بسبب أن الصينيين أنفسهم ليسوا مسلمين، هذا ليس سوى محضُ هراء وخيال وأوهام ليس لها أي أساس ديني أو عقلي أو منطقي، وليس سوى محاولة لتبسيط وتسطيح هذا الوباء العالمي من قبل أولئك الغرقى الذين يتعلقون بقشة. 


لا نشك بطبيعة الحال في القدرة الإلهية، ولا شك مطلقاً في أن الله هو الذي يدبر الأمر من قبل ومن بعد، لكن انتقاء الكوارث الطبيعية والأوبئة وتلبيسها بلباس العقوبات الإلهية لا يمكن أن يكون صحيحاً لأنه ببساطة يفتقد إلى الأساس الديني والمنطقي، كما أن الشواهد التاريخية والحقائق الحالية تنفي هذه النظرية، إذ لو كان هذا الوباء عقوبة إلهية للصين فلماذا أصاب الأبرياء المساكين ولم يُصب أي مسؤول حكومي؟ ولو كان هذا الوباء عقوبة إلهية للصينيين على ظلمهم فأين العقوبة للأمريكيين والإسرائيليين والروس وغيرهم ممن ظلموا وتجبروا واعتدوا على العباد والبلاد وأكثروا فيها الفساد؟

 

الحقيقة هو أنَّ الله تعالى خلق هذا الكون وخلق له نواميسه وقوانينه وأمر البشر أن يتدافعوا فيه وفقاً لهذه القوانين، فمن يجيد العمل والجد والاجتهاد يُفلح ومن لا يجيد ذلك يفشل، وهذا بغض النظر عن دينه وعقيدته، ولذلك قال الله تعالى في سورة الاسراء: "كلاً نُمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك، وما كان عطاءُ ربك محظورا"، ولذلك أيضاً هُزم المسلمون في معركة أحد في السنة الثالثة للهجرة (سنة 625 ميلادي)، إذ أن مخالفة الخطة الدنيوية أدت بهم إلى الهزيمة في المعركة لتكون تلك المعركة رسالة دينية واضحة بأنه يتوجب الامتثال لقوانين ونواميس هذا الكون وعدم التواكل على التدابير الإلهية. 

 

الوباء الذي يضرب الصين حالياً، والإعصار الذي ضرب أمريكا سابقاً، والفيضانات والكوارث التي يشهدها الكون بين الحين والآخر لا يمكن أن تكون عقوبات إلهية، لا بل هي تطالُ المسلمين أيضاً ولا تستثنيهم، ونتذكر أيضاً المصائب التي تصيب حجاج بيت الله الحرام سنوياً بسبب التدافع أو الازدحام أو الأوبئة أو سقوط الرافعة على رؤوس المصلين في الحرم قبل سنوات أو غير ذلك.. كل هذا يدفع إلى الاعتقاد بأن الكوارث الطبيعية لا يجوز تفسيرها على أنها عقوبات إلهية. 

 

ما يحدث في عالمنا العربي هو أنَّ الشعور بالهزيمة والانكسار يدفع بعض المحبطين إلى التعلق بالغيبيات والمعتقدات التي تقوم على المعجزات والبُعد عن العقل والمنطق، مثل القول بأن الكوارث التي تصيب الغرب ليست سوى عقوبات إلهية على ظلمهم، والقول بأن زوال إسرائيل سيكون في العام 2022 وغير ذلك الكثير، والحقيقة أن الكوارث التي تصيبُ العرب والمسلمين ليست أقل من تلك التي تصيبُ غيرهم، والأسباب الطبيعية هي التي تقف وراء هذه الكوارث على الدوام ولا علاقة لها بأفعال الشعوب والأمم ولا بالأديان والمعتقدات التي يعتنقونها. وعلى العرب والمسلمين أن يعملوا من أجل تطوير قدراتهم وإمكاناتهم وحماية أنفسهم بدلاً من انتظار أن تقوم الكوارث الطبيعية والمعجزات بإنزال الهزيمة بأعدائهم.

 

والخلاصة هنا هي أنَّ العدالة الإلهية توفر لكل البشر فرصاً متساوية في هذا الكون، وأن العرب والمسلمين إذا أرادوا النهوض والانتصار والرفعة والقوة فعليهم أن يعملوا من أجل ذلك وفقاً لقوانين الكون، لا أن ينتظروا عقوبة إلهية تنزل بأعدائهم، لأنَّ زمن المعجزات قد انتهى بانتهاء عصر النبوة. أما فيروس "كورونا" فهو ليس سوى وباء طبيعي ناتج عن فيروس متطور حاله حال فيروسات "انفلونزا الطيور" و"انفلونزا الخنازير" وغيرهما من الأمراض والأوبئة التي تحل بالبشر بين الحين والآخر ثم يتمكن العلماء من إنتاج العلاج المضاد لها، وهي سنة كونية ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

2
التعليقات (2)
المهدى التونسي
الخميس، 06-02-2020 06:45 م
مقال أكثر من رائع... شمعة في ظلامنا الدامس بالجهل و التواكل.
عبد الله
الإثنين، 03-02-2020 02:59 م
وفي نفس الوقت أنت يا كاتب المقال لا تستطيع الادعاء أنها ليست عقاب.. نفس المنطق