مقالات مختارة

أسوأ أزمة منذ «حرب الثماني سنوات»

جيفري كمب
1300x600
1300x600

االخشية من اندلاع حرب في الشرق الأوسط، التي أثارها اغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني، في الثالث من شهر يناير 2020، قرب مطار العاصمة العراقية بغداد، لم يتطور إلى نزاع عسكري مباشر، غير أنه لن يكون من الحكمة الاعتقاد بأن الأزمة قد انتهت تماما وإلى الأبد، ففي النهاية سيتعين انتزاع ثمن أعلى من مجرد بضعة صواريخ، أُطلقت على قواعد ضخمة ومحمية جيدا في العراق، ولم تتسبب في وقوع أي ضحايا أو إصابات.


وخلال الأيام التي أعقبت عملية اغتيال سليماني، كان هناك بعض الدعم والتعاطف من جانب جهات عدة في المنطقة، بمن فيهم بعض الذين كانوا قبل أسابيع قليلة، يحتجون على التدخلات الإقليمية في الحياة السياسية لكل من العراق ولبنان على الخصوص، كما أن عملية الاغتيال أفضت إلى ما يشبه اصطفافا داخليا، لم يسجل المراقبون مثله منذ وقت طويل، وأمام هذا الازدياد في المشاعر القومية، الذي أعاد بعض الهيبة والاعتبار اللذين افتُقدا على مدى سنوات طويلة، لم يكن لأحد أن يستطيع التنبؤ بكم من الوقت ستدوم حالة كهذه.


وهناك الآن مشكلة أكثر صعوبة؛ فعقب تحطم طائرة أوكرانية أقلعت من مطار طهران، في المساء نفسه الذي أُطلقت فيه صواريخ على القواعد العسكرية في العراق، أعلنت السلطات الإيرانية فوراً أن الحادث يعود إلى خلل فني أصاب الطائرة نفسها، غير أنه سرعان ما اتضح أن الطائرة أُسقطت بوساطة صاروخ «أرض- جو»، أطلقته قوات الحرس الثوري، وكان أكثر من 60 من القتلى الـ179 الذين كانوا على متن الطائرة المنكوبة، مواطنين كنديين، لذا كان رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو نفسه، أول مَن نفى الرواية الرسمية حول سبب سقوط الطائرة، متحدثا عن صاروخ تم إطلاقه عليها.
وقد تطلب الأمر عدة أيام، قبل أن يتم الاعتراف رسميا بإسقاط الطائرة، خلال الساعات التي أعقبت الهجوم على القوات الأمريكية في العراق، وبمجرد الاعتراف بالحادث، اندلعت احتجاجات جديدة أظهرت كثيرا من مشاعر الغضب وعدم التصديق، فتم إطلاق النار على المحتجين، لتنتهي بذلك حالة التوحد المؤقت، التي تكونت أياما قبل ذلك على خلفية اغتيال سليماني.


وتعد تلك الأحداث أعراضا للمشاكل والمتاعب القائمة، مع عدد من بلدان الشرق الأوسط الأخرى، وخاصة في العراق ولبنان، فالمواطنون العراقيون غاضبون من دولتين أجنبيتين جعلتا من بلدهم ساحة معركة، ولأنهما تساهمان أكثر في تردي وضعه الاقتصادي، وفي الفساد البين لمن يوجدون في السلطة السياسية، وتحاول الولايات المتحدة من جانبها إقناع المسؤولين العراقيين بأنه إذا طُلب من القوات الأمريكية مغادرة العراق، فإن التدخلات الإقليمية في الشؤون الداخلية لبلدهم ستتفاقم وتترسخ، كما سيصبح تنظيم «داعش» في موقف أقوى من ذي قبل، لممارسة نشاطه التخريبي، ولبسط سيطرته مجددا على عدة مناطق من البلاد.


أما في لبنان، فإن غضب الشعب من الطبقة السياسية التي تدير البلاد أصبح غضبا عابرا للانقسامات الطائفية والمذهبية، بما يضع «حزب الله» اللبناني، وغيره من وكلاء التدخل الإقليمي هناك، في موقف صعب للغاية، فالأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصرالله، يُعتبر أحد المسؤولين اللبنانيين الأساسيين الذين تغاضوا عن تفشي نهب موارد البلاد والتلاعب بمقدّراتها. ذلك أن الفصائل المختلفة في الحكومة قبلت، على مدى سنوات، نظاما فاسدا لتقسيم الغنائم السياسية في البلاد بين قادتها، تاركة البلد في حالة إفلاس، وأغلبية اللبنانيين تعيش في فقر وبطالة، وفضلا عن ذلك، فإن الشعب اللبناني لا يريد أن يتم الزج به في حرب أخرى مع إسرائيل، بسبب تهديدات «حزب الله» باستخدام ترسانته الضخمة من الصواريخ ضد إسرائيل، في حال اندلاع حرب واسعة تشمل بعض الدول في المنطقة، والحال أن إسرائيل قد توعدت في بياناتها الأخيرة، بأنه إذا ما قام «حزب الله» بمهاجمة أهداف إسرائيلية بأعداد كبيرة، فإن تل أبيب لن تقف مكتوفة الأيدي، بل سترد على ذلك بقوة، عبر استهداف كامل الدولة اللبنانية، وتدمير كثير من بناها التحتية.


إنها عواقب التوسع في السلطة والنفوذ من الخليج إلى المتوسط، وحقيقة أنه لا ينظر إلى هذا التوسع، بوصفه عملا لتحرير الشعوب وحماية مصالحها، وإنما كتطلع إمبريالي يتسم أصحابه بكثير من المواقف نفسها، التي ميزت الكولونياليين الأوروبيين، خلال القرنين الماضيين.


وخلاصة القول، هي أن ثمة الآن أسوأ أزمة منذ الأيام الأولى لـ«حرب الثماني سنوات»، في ظل تنامي الغضب، وعودة الاحتجاجات الداخلية لمجتمع يعاني، وتزداد معاناته أكثر فأكثر، في وقت تتعزز فيه العقوبات الاقتصادية، ويزداد الإنفاق على المليشيات الأجنبية، لتضع عبئا على اقتصاد يعاني أصلا، ويئن تحت وطأة هذه العقوبات والإجراءات الخارجية غير المسبوقة.

 

(الاتحاد الإماراتية)

0
التعليقات (0)