كتاب عربي 21

ظواهر عجيبة: أسد لكنَّه ابن آوى

أحمد عمر
1300x600
1300x600
يقول أبو إسحاق أحمد النيسابوري، المشهور بالثعالبي، في كتاب "عرائس المجالس"؛ إن أصحاب نوح عليه السلام، تأذَّوا في السفينة من الفأر فسألوا نوحا أن يسأل ربه فخرج السنور من عطسة الأسد، فصاده، وتأذَّوا بالعذرة فخرج الخنزير من سلحة الفيل فأكله، ويوافقه كثيرون من الرواة والمحدِّثين، وهم يتتبعون الأصول والنشأة الأولى للكائنات، وأسلافنا عليهم رحمة الله، مدركون للفصائل الحيوانية، وللدورة الحيوية.

ومنذ فترة أحاول أن أجد تفسيراً لأفلام وثائقية تضخّها وسائل التواصل الاجتماعي علينا؛ بأنواع الهموم والطرائف عن عالم البشر والآلات والحيوان، مثل فيديو لحمار أشر يعتدي على أسد مسكين في قفص، والأسد يتّقي غضبة الحمار فيلوذ بالأركان والزوايا، ويستغيث، والحمار الضاري يرفسه على وجهه.. وكلب نبح على أسد خرج في نزهة مع حرمه اللبوة إلى الغوطة في يوم الجمعة بعد الصلاة، فهجم الكلب عليهما يشتم الليث ويدوس على عنقه، ويأمره الكلب بأن يشتمها، فيقول للكلب وهو يئنُّ: مرتي روحي وتاج راسي.

ويروي أسامة بن منقذ قصصاً عن صيد الأسود، ومنها واقعة عن كلب هجم على أسد ففرَّ منه، وضباع مدينة هرر الأثيوبية الأليفة أكثر من الهررة، وأفلام وثائقية أخرى أشد وأنكى وأضرى، ولا تجيز الرقابة المعاصرة نشرها. وأستعيد الأفلام المرة تلو الأخرى بتقنية "الفار"، لعلّي اهتدي إلى تفسير أو أجد على النار هدى.

أحاول أن أفهم سلوك الحيوانات المستجد العجيب، وتولي رجل مثل السيسي عرش مصر، ومكوث الأسد على العرش السوري بعد مليون ضحية. وهناك سيل من الأعاجيب الأخرى التي أراها يومياً، مثل لبوة تتبنى قرداً يتيماً بعد أن قُتلتْ أمه القردة، ولبوة أخرى تحار ما تفعل مع عجل ولد للتوّ، وظفرت به، فتتركه لأمه الهاربة وقد غلبت عليها أمومتها وتدفق اللبن في صدرها، وغيرها كثير، فإما أنَّ الدنيا هي غير الدنيا، وإما أنَّ الإنسان ازداد علماً، وكلما ازداد علماً ازداد جهلاً!

فأدعو الله أن يؤتيني الحكمة وتأويل الأحاديث حتى أفهم ما يجري، وكنت أظنَّ أنَّ سبب شيوع هذه الظواهر العجيبة هو من الأطعمة المهندسة وراثياً، ومن انحسار الغطاء النباتي وذوبان الأخلاق في القطب الشمالي، وغزو الإنسان للكواكب العذراء في حمى الله، وتزوير الانتخابات ومعامل الشرف الصناعي.. وأننا في دنيا مدبرة، وإذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد، وأقف في زنزانة التحقيق أمام المحققين:

يا عبد الله يا ابن أنجلينا جولي، وهو اسم أمي، وهو أحلى من اسم أم عبد العال في مسرحية ريّا وسكينة، ولولا أنه لا يجوز أدباً قلبُ المثل القائل "القرد بعين أمه غزال" لأنه عقوق ما بعده عقوق، لقلبناه: ما تقول يا ابن أنجلينا جولي في أسد يأتي أسداً، ولبوةٍ حلوةٍ مثل فلقة القمر بجانبه وهو يزورّ عنها؟ فأقول للجنة الفاحصة ما قاله أبو حامد الغزالي يوماً للسائل: إنَّ لله أموراً يبديها ولا يبتديها، يرفع أقواماً ويخفض آخرين.

وأنتظر في قبري، وأدعو أن يخفض الله من في بالي إلى أسفل سافلين. واسم عبد الله عند المسلمين مثل رفيق عند اليساريين والبعثيين، وهفال عند حزب العمال الكردستاني بفرعيه التركي والسوري.

قرأت تعليقات المشاهدين للفيلم القصير، وفيها أحياناً آراء أفضل من آراء الفلاسفة، وأكثرها غث، إلى أن هداني الله، ومن يهدِ الله فهو المهتدِ ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، إلى قراءة كتاب "الاعتبار" لأسامة بن منقذ، وكان يهوى قنص الأسود والليوث الضراغم الضاريات. وكان المرحوم نضال السيجري ينطق تاء الضاريات طاء في مسلسل ضيعة ضايعة، فعلمت من كتاب "الاعتبار"، الكتاب الوثيقة، أنَّ الأسود مثل البشر فيهم الأسد الشجاع والأسد الجبان، والأسد الكلب والكلب الأسد، والأسد الكرّار والأسد الذي لا يعادل الألف منه دولاراً، فتنفست الصعداء والهبطاء، وخرجت من قبري إلى الشرفة بعد أن استأذنت منكراً ونكيراً في استراحة قصيرة، وحمدت الله على نعمة تدبر آياته وآلائه، وبكيت من الفرح، ودخنت ألمي من غير إشعال، وتذكرت قوله تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ"، وتلوت دعاء سليمان عليه السلام، وهو دعاء أحبه، وكلما قرأته فاضت عيناي بالدموع: "وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وعلى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ". ثم انتبهت إلى أمر وهو أنّ والديّ لم ينعما كثيراً في حياتهما، بل إنها كانت شاقة، أشقى من حياة أيوب عليه السلام، ثم استغفرت ربي على تشبيه ابتلاء والديّ بابتلاء الأنبياء، وانعطفت إلى دعاء آخر، أنسب للحال، وهو دعاء يوسف عليه السلام: "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"، فانتبهت إلى أن ربي لم يأتِني من الملك سوى ما يكفي لقيام الأود، فحمدت ربي على الصحة والسلامة وآلاء تأويل الأحاديث، ونعمة الأمان في غير سربي في جوار ميركل، عندي قوت يومي واليوم الذي يليه أيضا، فكأنما حيزت لي الدنيا بأسرها، وأنَّ الله لا يغفل ولا ينام، ومَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا، وأنه هو القاهر فوق عباده، وأنَّ الأوراق كلها ستسقط في الخريف العربي، بما فيها ورقة التوت الأخيرة، وجزى الله الأمير أسامة بن منقذ كل خير، فقد كشف عني الغمة، بقوله "إنَّ الأسد مثل غيره من البهائم، يخاف ابن آدم، ويهرب منه وفيه غفلة، وبله ما لم يجرح".. إنَّ في ذلك لعبرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات (0)