قضايا وآراء

"داعش".. هل فى الأمر أكذوبة كبرى؟

هشام الحمامي
1300x600
1300x600

يوم 27 تشرين أول (أكتوبر) الماضى غرد ترامب رئيس أكبر دولة فى العالم قائلا: "حدث شيء كبير للغاية للتو"، وترك الرجل العظيم أبناء الكرة الأرضية حائرين مرعوبين محبوسى الأنفاس.. فماذا عساه يكون هذا الشيء الكبير للغاية الذي يعلن عنه رئيس امريكا بنفسه؟ 

وفي اليوم التالي مباشرة ظهرت صورة للرئيس وهو يجلس على رأس طاولة عريضة وبجانبه نائبه وكبار قادة الجيش الأمريكى وهم يتابعون مباشرة عملية مقتل (أبو بكرالبغدادي) زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". 

إذن كان هذا هو الحدث الكبير للغاية.. ما أبخسك أيها الرجل ترى ماذا كان سيعلق الرئيس الأمريكي الراحل روزفلت أو ترومان وهما يشاهدان هذه المسرحة البائسة؟!  

 

بين البغدادي وبن لادن

كان الزعيم البغدادى قد ظهر فجأة فى 29 نيسان (أبريل) الماضي في مقطع فيديو بلحيته الطويلة المصبوغة بـ (الحِنًة) جالسا على الأرض وبجانبه سلاح، واضعا على رأسه منديلا أسود وهو يتحدث مع رفاقه عن الهزيمة وقتها في مدينة الباغوز بسوريا وأعرب عن سعادته لمن حوله بقتل (المسيحيين) فى سيريلانكا خلال عيد الفصح ردا على تلك الهزائم كانت صورته كما يقولون نصا يروي الحكاية كلها.

سيكون علينا أن نعود بالذاكرة قليلا إلى الماضي القريب ومقطع الفيديو الشهيرالذي ظهر فيه أسامة بن لادن على شاشة تلفزيون أشهر قناة عربية ليعلن لأبناء الكرة الأرضية (أيضا) أنه هو صاحب فكرة تدمير البرجين الشهيرين بنيويورك في 11 أيلول (سبتمبر) 2001. 

بعد عشر سنوات و في أيار (مايو) 2011 (بعد شهور قليلة من أحداث الربيع العربى!) كان العالم أجمع قد شاهد إخراج عملية قتل زعيم القاعدة، والتي ستكون عملية قتل زعيم "داعش" نسخة منها مع بعض الاختلاف في قوافي القصيدة.

الرئيس أوباما يجلس على طاولة غرفة العمليات وهو ينظر بتركيز هائل للغاية على البث المباشر للعملية فيما بدت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية تضع يدها على فمها وعلامات الصدمة على وجهها.

مقتل بن لادن بالمناسبة تم في باكستان (في منزل يبعد خطوات عن مركز للمخابرات الباكستانية!) ثم تم إلقاء جثمانه فى البحر.. اختفى الرجل إلى الأبد، وباختفائه يكون قد تم الإعلان رسميا عن انتهاء صلاحيته كأكبر أكذوبة وأسوأ اعتداء بطول وعرض التاريخ على سمعة الإسلام والمسلمين.. سنعرف بعدها أن ذلك كان تمهيدا لظهور أكذوبة أخرى لا تقل في حجمها وسوئها عن الأكذوبة المنتهية. 

***

يرتبط اسم تنظيم "داعش" باسم تنظيم القاعدة ارتباطا ميلودراميا ساخنا.. وسيكون البغدادى هو المعادل الموضوعي لابن لادن.. الصورة بكل تفاصيلها هي هي، والرسالة التي تنطق صامتة خلف الصورة أيضا بكل تفاصيلها هي هي، حتى طريقة قتل الاثنين كانت بنفس الإخراج المسرحي الأبله. 

 

"داعش" لم تكن في يوم من الأيام حركة (إصلاحية) أو (ثورة على استبداد وظلم)، لأنها في واقع الأمر تخالف الفكر الإصلاحي والثوري المعروف تاريخيا وفكريا..


يستحيل تصور أن الحلف الذي يضم أقوى دول العالم وأكثرها خبرة في الاستخبارات لم يستطع وضع حد لظاهرة "داعش" من وقت بروزها كمًّا هائلا من القنابل الأمريكية والبريطانية تم إلقاؤها على الشعب السوري والشعب العراقي دون أن تلحق أى ضرر بـ "داعش"!!  

 

أسئلة لا جواب لها

يتساءل أحد الباحثين: هل سألنا أنفسنا عن ذلك؟ هل سألنا من الذي يقوم باستخراج البترول من المناطق التي كانت تسيطر عليها "داعش" والذي كان يمثل مصدر قوتها؟ ومن الذي كان يقوم بنقله عن طريق البحر أو عن طريق ضخه في الأنابيب عبر مختلف القارات؟ هل بذل أحدهم أي محاولة لوقف ذلك ومنعه؟ ما دور البنوك العالمية في كل ذلك؟.

ظهرت "داعش" في الشرق العربي كجيش لا كدولة.. ولا حدود لهذا الجيش.. وحكاية صعود هذا التنظيم مملوءة بألوان الظلام والريبة، حيث (الأجهزة الخفية) التي شكلت سندًا هائلاً في تمويله وتسليحه وتنظيمه.


وكان هذا الجيش ينقل بطائرات مدنية وعسكرية من وإلى مناطق عدة في العالم بما يتلاءم ويتطابق كليًا مع (خريطة الخلافات الطائفية والمذهبية) وخطط الفوضى المنهجية التى تخدم مصالح الغرب وإسرائيل، وبما يساهم في تأجيج الصراعات العرقية والدينية في المشرق العربي وبصورة تضمن تدمير وحدة (الدولة العربية) جغرافيا الواحدة تلو الأخرى بعد أن تم تمزيق الوحدة العربية كـ (فكرة).. ناهيك عما حدث لتيار الجامعة الإسلامية.

"داعش" لم تكن في يوم من الأيام حركة (إصلاحية) أو (ثورة على استبداد وظلم)، لأنها في واقع الأمر تخالف الفكر الإصلاحي والثوري المعروف تاريخيا وفكريا.. وما شهدناه وسمعناه لم يكن إلا صورة كريهة للجبروت والظلم والبغي وأفعال بشعة معادية لقيم الحضارة الإسلامية في العمران والتسامح والوعي الإنساني العميق وتم من خلالها ترسيخ صورة غاية في البؤس والسوء تتسم بالهمجية والعنف والقسوة من خلال صور القتل وقطع الرؤوس وتهجير غير المسلمين وفرض الإسلام بالقوة. 

ارجعوا إلى ما كتبه يوري افنيري الإسرائيلي الملحد ردًا على البابا بندكت السادس عشر في مقالة رائعة بعنوان (سيف محمد)، حين تطاول البابا على الإسلام ووصف انتشاره بحد السيف في كانون ثاني (يناير) 2011م.. لماذا يذبح الناس أمام الكاميرات؟ ولماذا بالسيف، رغم امتلاكهم أسلحة وذخائر متطورة تفوق ما تملكه بعض الجيوش النظامية في المنطقة؟

لكن أهم سؤال في هذه الملهاة / المأساة هو: لماذا غاب (الموضوع الفلسطيني) تماما عن أجندتهم وأعمالهم وحتى تصريحاتهم ؟ هل من الممكن أن يكون ذلك مصادفة أم فعلا مقصودًا؟

كان الإسلام هو الوطنية التي يسكب فيها المسلم والمسيحي واليهودي حضوره في إطار حضاري مشرق

الراحل الكير الدكتور جلال أمين علق على هذه الظاهرة بوعي عالم الاجتماع السياسى الخبير بدهاليز المؤامرات والاختراقات الفكرية والسياسية قائلا: لا بد أن في الأمر ما يريب.. لا أقصد أعمال القتل الوحشي والتدمير الجنوني للآثار التاريخية وتخريب المدن والقرى وتشريد مئات الألوف من الأبرياء،  بل أقصد أن الدوافع التي يزعم التنظيم أنها وراء ارتكاب هذه الأعمال لا يمكن أن تكون هي الدوافع الحقيقية، وأن تزايد أعداد المنضمين لهذه الحركة من مختلف البلاد الغنية والفقيرة لا يعود فقط إلى مجرد الاقتناع بأفكارها أو بقوة الحمية الدينية أو بالحماس لإقامة الخلافة.

ويستطرد معلقا بطرافة على غرابة الاسم نفسه قائلا: "اسم داعش وإطلاقه على حركة تصف نفسها بالإسلامية وبدأت في بلاد عريقة في عروبتها وحسن استخدامها للغة العربية يدعو للريبة"..             

 

ويشير بدهائه المعروف بإصبع اتهام إلى ملاحظة دقيقة فيقول: "إن العرب لم يعرفوا عادة استخدام الحروف الأولى (في الاختصارات) بل مازالت هذه العادة تبدو غريبة على الأذن العربية التى تجيد التمييز بين الوقع الحسن للألفاظ وبين الوقع الخشن والغليظ مثلما نجد فى لفظ "داعش"، بل يخيل إلي أحيانا أن استخدام اسم "داعش" للإشارة إلى حركة تهدف إلى إقامة الخلافة الإسلامية يشبه ترك المجرم ـ سهوا ـ أثرا من آثاره في مسرح الجريمة، وينسى أن يمحوه، ويؤدي ذلك إلى اكتشاف أمره.

***

الرسالة المقصودة من صنع (قصة داعش) كانت تهدف بالأساس إلى تشويه قيم إسلامنا الحضاري بمعانيه الخالدة وتاريخه وثقافته التي كان أكثر ما يميز وجهها الحضاري عبر كل القرون الطويلة هو التعددية الفكرية والدينية والعرقية، وأنتجت تاريخا تفاخر به الإنسانية كلها في العمران الكثيف وفي حفظ وصون الأقليات المختلفة، حيث كان الإسلام هو الوطنية التي يسكب فيها المسلم والمسيحي واليهودي حضوره في إطار حضاري مشرق.

التعليقات (1)
Zmfr
الأربعاء، 04-12-2019 02:47 م
الغرب المسيحي المتصهين موقفه من الاسلام لم يتغير قبل داعش وبعده فهو دائما يعتبر الاسلام والمسلمون عموما رمزا للهمجية والتوحش وظهور داعش لم يضيف شيئا سوى انه كشف للمسلمين مشاعر الحقد الدفينة التي يكنها الغرب للمسلمين وقد تجلى ذلك بوضوح من خلال القصف الوحشي للمدن السورية والعراقية وتسويتها تماما بالارض وقتل وتهجير اهلها علما بان سكان تلك المدن كانت تعيش امنة مطمئنة في ظل همجية داعش ولم تهجر اوطانها وتدمر منازلها الا بعد ان بدأت تنهال عليهم حمم وصواريخ التحالف الاخلاقي والحضاري الذي تقوده امريكا تحت شعار القضاء على التطرف والارهاب