قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: الأسس الفكرية (2)

هاني الديب
1300x600
1300x600

هذه واحدة من أعقد الأمور في الفكر والتطبيق لدى الإخوان.. الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس

يقول:

"قد يكون مفهوما أن يقنع المصلحون الإسلاميون برتبة الوعظ والإرشاد إذا وجدوا من أهل التنفيذ إصغاء لأوامر الله وتنفيذا لأحكامه وإيصالا لآياته ولأحاديث نبيه، وأما الحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر، فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف.. هذا كلام واضح لم نأت به من عند أنفسنا، ولكننا نقرر به أحكام الإسلام الحنيف. وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم، وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله".

إذا، عين الإخوان على الحكم أصيلة فكرا ومؤصلة شرعا طبقا لفهم المؤسس. وكالعادة، الإشكاليات تأتي في التفاصيل.. كيف تصل إلى الحكم؟ في نظر البنا أن الأحزاب السياسية دعوة للفرقة، وأن الإخوان لن يكونوا يوما حزبا سياسيا.

يقول البنا: "ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر. ويعتقدون كذلك أن النظام النيابي، بل حتى البرلماني، في غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضرة في مصر، وإلا لما قامت الحكومات الائتلافية في البلاد الديمقراطية. فالحجة القائلة بأن النظام البرلماني لا يتصور إلا بوجود الأحزاب حجة واهية، وكثير من البلاد الدستورية البرلمانية تسير على نظام الحزب الواحد وذلك في الإمكان".

والذين حاولوا تبرير رؤية البنا في هذا المجال بأنه كان يتحدث عن الأحزاب في عصره والتي كانت تحكمها المصالح، أرى للأسف أن هذا التبرير من باب التنطع الفكري، مع احترامي الشديد لمن قال هذا.

الأحزاب كانت وما زالت على نفس النهج؛ بعضها لها رؤى سياسية أو فكرية أو دينية أو مجتمعية أو مصالح شخصية. لا حرج إطلاقا أن نقول إن الجماعة رأت أن ما قاله الإمام البنا جانبه الصواب في هذه المسألة، ومن ثم تبنت الجماعة مسألة العمل الحزبي (أنا شخصيا أرى أنه كان على صواب في جزء منه وسيأتي بيان هذا في المقال القادم!!).

يرى البنا أن الانتخابات النزيهة هي الطريق للحكم دون الحاجة إلى وجود أحزاب!!! وفي حالة عدم وجود هكذا انتخابات نزيهة سيضطر الإخوان لاستخدام القوة لانتزاع السلطة (موضوع القوة في فكر الإخوان نناقشه لاحقا).

تفسير كلام البنا "فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه"؛ غاية في الصعوبة ومحل اختلاف. ليس العيب في الكلام في حد ذاته، ولكن في تطبيقه العملي. فالحكم بمنهاج إسلامي عبارة مطاطة، فهناك الحكم الإسلامي بمفهوم الإخوان، وآخر بالفكر السلفي، وثالث بالفكر الصوفي، ورابع بالفكر العلماني، وخامس بالفكر التكفيري. ولقد رأينا في أفغانستان سابقا وسوريا حاليا؛ كيف تذبح طوائف إسلامية بعضها البعض لتحقيق ما تراه حكما إسلاميا.

وضعا للنقاط على الحروف وانطلاقا مما سبق أن ذكرته، فإن الدول تقوم على تفاهمات مجتمعية، كما قامت دولة رسول الله في المدينة وتقوم كل دول العالم المتحضر اليوم.

الواقع يقول إنه لو قامت الدول الإسلامية على مجموعة من القيم (تمثل لب الإسلام في وجهة نظري) لكانت تقدمت منذ عقود. فلن يختلف أحد على هذه القيم، مثل الحرية، والعدل، والتكافل الاجتماعي، والديمقراطية، والمساواة، والصدق والأمانة، الاستيعاب.

أرجو مراجعة سلسلة مقالاتي السابقة في هذا الصدد.

بالله عليكم تخيل أنك تعيش في مجتمع تحكمه هذه القيم، وتراقب تنفيد هذه القيم نخب وشعوب لا تتخلى عنها.. هل يمكن ساعتها أن نسأل هل الحاكم إخواني أم سلفي أم؟..

بالطبع لدينا محددات إسلامية واضحة في هذه القيم.

التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 09-09-2019 08:09 م
الدكتور المحترم ،،، مع كل التقدير لما تكتب وأن متابع جيد لكتاباتك ،،، لكن هناك عدة إشكاليات تحول دون أي تجديد او تطوير في فكر الجماعة او نمط إدارتها ،،، أولها ،،، غياب النظرية النقدية عن فكر الجماعة ،،، بل انها ترى أن اي نقد يوجه إليها من الداخل ،، الأعضاء ،، إنما هو ناتج عن عدم فهم او اهتزاز ثقة او تطلع تنظيمي لدى العضو الناقد ،،، وأن كان النقد من خارجها فهو ناتج عن سوء ظن او كراهية ،، رغم انهم أكثر من يردد معنى الحديث النبوي ،، الحكمة ضالة المؤمن انا وجدها فهو أحق الناس بها غير مبال من أي وعاء خرجت ،، بل هم يعتبرون أن الجماعة شأن خاص ولا حق لمن خارجها التدخل في شأنها الخاص ،،، وشعارها هنا ،،، لو كان فيه خير للحق بنا ،، او شعار ،، أركب معنا ثم شاركنا التوجيه ،،، ثانيها ،،، الفجوة الكبيرة بين القيم والإجراءات ،،، بمعنى انهم أكثر من يتكلم عن الشورى و المؤسسية ،، والواقع يشهد انها قوالب وأشكال أكثر منها مضمون ،،فالشورى ناقصة ومختزلة في التصويت لأعضاء لم تتوفر لهم المعرفة والدراية والمعلومات ، لذا كثيرا ما يساء تقدير المواقف وإلا ما تورطوا في الترشح للرئاسة بعد الاعلان عن عدم الترشح ،،،أما المؤسسية الشكلية وغير الفاعلة ،، فهي في كيفية تكوين المؤسسات وأهلية أعضاء هذه المؤسسات ،، والتربيط والتوجيه والإبعاد في الانتخابات الداخلية خير دليل ،، ومصادرة مكتب الإرشاد لصلاحيات مجلس الشورى تحت عنوان التفويض خير دليل ،، وهو نمط معمول به في هياكل الجماعة ،، عندما كانت هناك جماعة ،،، ثالثها ،، كونها جماعة طاردة للإبداع ،،، فكل صاحب رأي او رؤية او فكر محاصر داخل الجماعة ،، مبعد من مؤسساتها الفاعلة النافذة ،، مضغوط لدرجة التجميد ما قد يدفعه للمغادرة والترك،، او التواجد منعزلا داخل نفسه ومحيطه ،،، الخلاصة ،،، الجماعة بحاجة لمنصات قيادة جديدة ،، تؤمن بالجديد المطروح منك ومن غيرك ،، وهذه إشكالية كبرى ،، كيف تأتي منصة جديدة وغالبية القواعد قد تربت على هذا الفكر وهذا النمط ،،، رؤيتي الشخصية ،،، النظر للجماعة ككيان اجتماعي دعوي خدمي ،، فقط ،، أما في مجال الحكم والسياسة فهو يحتاج إلى رجال دولة وليس شيوخ دعوة ،، والفارق بينهما شاسع ،، هكذا تقول التجربة ،،،