كتاب عربي 21

متابعة لجدل "التغيير" في العمل التنظيمي الإسلامي الليبي

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600
تابعت الجدل الذي دار حول تصريحات رئيس حزب العدالة والبناء، محمد صوان، والتي عبر فيها عن رأيه حول استمرار وجود الجماعات الإسلامية ومسمى "الإسلامي"، وما اعتبره البعض منحى تجديديا، فيما اعترض عليه شركاء له في العمل الإسلامي سابقا.

وكان صوان صريحا وجريئا في التعبير عن قناعات جديدة تعتبر تحولا له ما بعده في مسار العمل الإسلامي التنظيمي "الجمعوي"، كون صوان قياديا سابقا في جماعة الإخوان، أقدم التنظيمات الإسلامية في ليبيا، بل أقدم التنظيمات عامة.

بداية أنوه أنه من المهم أن يخرج مثل هذا النقاش إلى العلن ولا يظل حبيس الجدران، على أن يأخذ مساحة طبيعية في البحث بعيدا عن المؤثرات السلبية والتوجيه المنحرف والتوظيف السياسي، باعتبار أن التحدي في مثل هذا النوع من البحث الفكري هو توفر ظروف ملائمة ليصبح صحيا.

غير أني أرى أن أمام مثل هذا النوع من الحوارات والنقاشات عراقيل في تخطيها ضمان لتحقيق المرجو منها، إحدى العراقيل هي أن الآراء الجديدة والأفكار "التجديدية"، إن أمكن أن نصفها بهذا الوصف، تأتي في مناخ تأزيم، وفي الغالب تتأثر به، إنشاء وتعقيبا. 

صحيح أن الأزمات تسهم بشكل كبير في التدبر والتأمل في القضايا الرئيسية المطروحة وتساعد على إنتاج مسارات فكرية مهمة يمكن وصفها بالتطور، لكن عندما يكون التفكير أسير إفرازات الأزمة ويكون ردة فعل مستعجلة لضغوطها فهو مأزق وليس تطورا.

لهذا يحتاج من يطلق أفكارا لتغيير الواقع الخاص أو العام أن يتحرر بقدر ما يستطيع من القيود والضغوط وأن يسبر غور أفكاره مستفيدا من تجربته الشخصية والبحث في تجارب سابقة ومعاصرة وأن يكون استدعاؤه للواقع دقيقا ومنضبطا باعتبار أنه مكون مهم للمراجعة والحكم وذلك حتى يكون نتاج الأفكار إسهاما بناء ونقلة ضرورية في مسار العمل العام الحركي والتنظيمي.

وأشدد على أن من أبرز سمات المراجعات الفكرية الجادة والنافعة أنها تقع في مناخ حر بعيدا عن الضغوط، خاصة الأمنية، ولقد كان لمراجعات الجماعة الإسلامية المقاتلة صدى ضيق وظلت حبيسة عقول عدد محدود من قادتها وأنصارها لأنها اقترنت بمشروع سياسي سلطوي، دون أن أقلل من مضمون المراجعات وأهميتها، ولكنني هنا اتحدث عن النتائج.

النقطة الثانية، وبرغم قناعتي بأن الآراء والأفكار التي تدعو إلى تغيير كبير في آليات عمل التيار الإسلامي الحركي ينبغي أن تخرج من رحم التجربة، إلا إنه من الضروري ألا تقع فريسة تجاذباته.

إذ إن من أبرز إشكالات هذا الموضوع أنه لصيق بالخلاف بين حزب العدالة والبناء وجماعة الإخوان المسلمين، ومرتهن لموقف شعبي، في الغالب الأعم، سلبي تجاه جماعة الإخوان. 

من الممكن جدا أن يكون كلام صوان تعبير عن قناعات راسخة جراء تقييم مسيرة عمل طويلة وقراءة واقع واستشراف مستقبل، إلا أن خلاصاته لا يمكن فصلها – على الأقل لدى كثير من المهتمين بكلامه والمعنيين بالدرجة الأولى به - عن حالة الاستقطاب بين الحزب والجماعة، والمطلوب فك الاشتباك في الموضوع المعروض للتفكير والنقاش مع الخلاف الواقع بين المكونين. 

ربما كان للحرب الدائرة اليوم تأثير تمثل في عدم الاستجابة الواسعة للموضوع المطروح، وأتوقع في وقت لاحق تفاعل مثقفين ونشطاء بمختلف اتجاهاتهم، ولأن الكثير منهم لا يفصلون الموضوع عن جماعة الإخوان وعن موقفهم السلبي منها، فإن هذا عامل لا يساعد على تطوير مقاربة تجديدية بناءة.

ثالثا، كلام صوان والذي عبر به عن آراء عدد كبير من المعنيين بالشأن الليبي والعمل الإسلامي؛ يتطلب نقاشا معمقا وبحثا جادا يتوسل المنهجية العلمية ولا يقتصر على الردود المقتضبة.

عليه فإني أعتبر أن الموضوع ينبغي أن يأخذ ما يستحقه من النقاش الجاد والرصين والنقاش البناء - أشدد على لفظة البناء – ومن الضروري عدم حصره في أنصار الجماعة السابقين والحاليين، بل أن يتسع ليشمل غيرهم من المحسوبين على التيار الإسلامي العريض، وعلى كل المؤهلين للخوض في هذا الموضوع من غير الإسلاميين.

ولكي يقع هذا، فإن البداية ينبغي أن تكون عبر حوار علني منظم وتراكمي بين من يناصرون آراء رئيس حزب العدالة ومن يرفضونها من أنصار الجماعة، ولا يترك الأمر، كما أشرت سابقا، لردود فعل ضيقة ومتشنجة يتبناها من يقع بينهم خلاف حاد في قاعدة الحزب وقاعدة الجماعة، إذ إن بعض الردود تلبست بحالة النزاع الأمر الذي قد يشوش على مضمونها.

صحيح أن ردودا على الفيس بوك وضعت مفاتيح لنقاش جيد، غير أنني لم أقرأ ردا معمقا عبر مقال رصين ممن لهم باع في التجربة الإسلامية الإخوانية وأهلية لتناول مثل هذا النوع من المواضيع، أو من غيرهم ممن لهم تجربة إسلامية تنظيمية، وأتمنى أن يرتقي البحث إلى مستوى دراسة يتقدم لها من تتوفر فيهم القدرة البحثية والمتابعة الجيدة للشأن الإسلامي التنظيمي.

وأخلص إلى القول بأن طرحي لبعض العوائق التي قد تعكر صفو التفكير "التجديدي" لقضايا تواجه التجربة الإسلامية التنظيمية لا يعني التوقف عن التفكير والبحث، على الإطلاق، فأنا أعتبر أن التجربة تحتاج إلى حوار مفتوح وبحث رصين، لكني أحاول أن ألفت النظر إلى بعض ضمانات مقاربة تجديدية نتائجها تنعكس إيجابيا على المنتظم الليبي.
التعليقات (0)