كتاب عربي 21

"وان تو ثري فيفا لالجيري": إنه الوطن!

طارق أوشن
1300x600
1300x600

بشعار "وان تو ثري.. فيفا لالجيري"، شارك زين الدين زيدان أفراح الجزاىريين بالفوز بكأس أمم افريقيا الأخيرة، مستذكرا شقيقه الذي توفي قبل النصر بأيام ودفن بمقاطعة بجاية الجزائرية.

كلمات زيدان مجرد تذكرة بأن الوطن ليس مجرد مقبرة يواري ترابه أجساد أبنائه، مهما غابوا عنه في ديار الهجرة وتفرقوا، بل مكانا لتحقيق الأحلام والإنجازات. لا فرق في ذلك بين إنجاز رياضي أو حراك سياسي سيحقق أهدافه لا محالة مهما تآمر المتآمرون، ومهما تكالبت القوى الإقليمية والاستعمارية القديمة منها والجديدة لإجهاض الطموحات الشعبية نحو الديمقراطية والمواطنة، وإبقائها رهينة البيادة العسكرية أو أجندات الساسة الفاسدين الملتحفين بالدعم الأجنبي خفيّه وظاهره.

زين الدين زيدان نموذج صارخ لسياسة الاندماج التي قدمتها الدولة الفرنسية حلا لاستيعاب التنويعات الثقافية والدينية التي شهدها المجتمع الفرنسي، على إثر الهجرة المكثقة التي تلت استقلال بلدان أفريقيا عن سلطانها، أيضا حاجتها الملحة لأيدٍ عاملة تعيد إعمارها من الخراب الذي حل ببنيتها التحتية والإنتاجية على يد القوات النازية الجارة.

فرانك ريبيري وكريم بنزيمة كرّسا الظاهرة أيضا على المستوى الكروي، وهو ما افتخرت به باريس طويلا واعتبرته نجاحا لمفهوم فرنسا المتنوعة. فريبيري حضر نهاية الكأس الأفريقية، والتحفت زوجته وابنته العلم الجزائري. أما بنزيمة فلم يفوت الفرصة دون إظهار سعادته وفخره بالإنجاز الوطني.

الحنين للأصول والالتزام بالجذور ليس بالضرورة ردة فعل على التهميش أو الإقصاء الاجتماعي، بل هو تربية وتأسيس على المواطنة يعيشه الطفل المهاجر بتأطير من الأهل خوفا من فقدان البوصلة أو التيه الهوياتي، وهو الفعل الفردي والجماعي الذي لا تستطيع القوانين "الزجرية" ولا المطالبات العنصرية أن تتجاوزه مهما علت أصوات المنادين بها.

 


الحنين للأصول والالتزام بالجذور ليس بالضرورة ردة فعل على التهميش أو الإقصاء الاجتماعي، بل هو تربية وتأسيس على المواطنة يعيشه الطفل المهاجر بتأطير من الأهل خوفا من فقدان البوصلة أو التيه الهوياتي

لقد استكثر اليمين الفرنسي، ومن يسبّح بحمد الهوية الفرنسية "الخالصة"، الفرحة على أبناء المهاجرين الجزائريين؛ الذين وجدوا أنفسهم فرنسيين بالولادة والمنشأ، بعد أن تحول اللجوء الاقتصادي لآبائهم وأجدادهم لاستيطان مانح للجنسية بالقانون. الجنسية لكثير من هؤلاء حق شرعي مكتسب نظير تضحيات الأسلاف، لكن مشاعر الانتماء موزعة بين الضفتين يحكمهما إرث استعماري ثقيل؛ لم تتمكن فرنسا من الاعتذار عنه حتى اليوم رغم بشاعة المجازر المرتكبة، وحاضر مشحون بالعنصرية وضعف الارتقاء الاجتماعي الكفيل بالخروج من غيتوهات أرادها المستقدِمون تجمعات تفصل الغرباء عن أبناء الوطن الأصليين.

ولأن لكرة القدم سحر خاص يستثير كل ما هو إيجابي في الشخصية الإنسانية بالشكل الذي يوقظ عندها كل السلبيات في الآن ذاته، فقد شكلت سلسلة الانتصارات الجزائرية بمصر مناسبة تلو أخرى لإظهار مدى زيف نجاح السياسة الفرنسية في الإدماج الإيجابي للمهاجرين وأبنائهم. ولعل في مصادفة يوم العيد الوطني لفرنسا تأهل منتخب المستعمرة السابقة للنهائي الأفريقي؛ ما يوقظ لدى الجانبين عصارة تاريخ مشحون بالصراع وبالدماء التي سالت بالجزائر وعلى جنبات نهر السين الباريسي.


بريجيت باردو، الفنانة الفرنسية الأشهر، لخصت المفارقة في التصريح بصدمتها من "أن يتحول 14 تموز/ يوليو إلى عيد وطني جزائري"، وهو ما أكده قيادي يميني "مستجد" بالهوية الفرنسية، من أصول مصرية، بالتحذير من نية مبيتة للمهاجرين الجزائريين بإقامة "فرنسا جزائرية"، في إشارة للجزائر الفرنسية كما كانت تعرّف أيام الاستعمار.

 

لعل في مصادفة يوم العيد الوطني لفرنسا تأهل منتخب المستعمرة السابقة للنهائي الأفريقي؛ ما يوقظ لدى الجانبين عصارة تاريخ مشحون بالصراع وبالدماء

بين التعبير عن فرحة النصر وأعمال الشغب خيط رفيع؛ استغله كثير من مؤيدي اليمين الفرنسي لتقديم الشباب الفرنسي من أصول جزائرية كمجرد غوغاء وهمج يجري العنف في دمائهم. نسي هؤلاء أن جادة الشانزيليه لا تزال حتى اليوم محظورة على فرنسيين من منتسبي حركة السترات الصفراء، والسبب تحولها كل نهاية أسبوع إلى ساحة معارك حقيقية؛ قدمت لأسابيع طويلة ملحمة فرنسية من النهب والحرق والتخريب، طالت حتى بعض رموز الثورة الفرنسية وتماثيلها. يتناسى هؤلاء أيضا أن حراك السترات الصفراء كان مصادفا لحراك شعبي جزائري كانوا يعتقدون أنه إلى العنف يسير لا محالة، بل طالبوا في برامجهم التلفزيونية الدولة الفرنسية بالاستعداد لصد موجات هجرات جماعية آتية. مخيلتهم، التي تتغذى من الفكر الاستعماري الذي لا يرى في "الأهالي" قدرة على تدبر حياتهم دون توجيه من "السادة" الفرنسيين، صورت لهم مشاهد النزوج الجزائري الذي لن يجد من ملجأ غير فرنسا الحنونة من حرب أهلية كانوا يرونها قريبة، قبل أن يخذلهم المتظاهرون وقوى الأمن والجيش على حد سواء.

الحقيقة التي يحاول هؤلاء إخفاءها ما استطاعوا هي الطابع السياسي للفرحة الجزائرية، ومعها المغاربية والأفريقية، كلما فازت منتخباتها الوطنية. بحر الأعلام الجزائرية الذي يغرق الشوارع والساحات الفرنسية، والأهازيج الشعبية التي تصم الآذان، وارتفاع الحناجر صادحة بالنشيد الوطني الجزائري بديلا عن نشيد الحرية والمساواة والأخوة الفرنسي؛ الذي يسمعونه شعارا ولا يرون له على الأرض تطبيقا. الرؤية الاستعمارية الجديدة ترى في تلك المظاهر، وإن كانت عفوية وغير منظمة، رفضا لفرنسا ولقيمها. فكل مقابلة في كرة القدم تلعبها النخبة الجزائرية "هزيمة لفرنسا" بالنسبة لهؤلاء.

 

لم ينس الفرنسيون المتعصبون كيف أن عددا من لاعبي الكرة رفضوا اللعب لمنتخبات فرنسا، وفضلوا الوطن الأم، حيث يصنعون الفرحة والمجد. ولن ينسوا بعد اليوم أن كثيرا ممن اختاروا اللعب بألوانها الثلاثة صاروا يتقاسمون فرحة الوطن

"فرنسا استقبلتكم، أطعمتكم، ووفرت لكم التعليم والعلاج، ولكن إن كنتم تفضلون الجزائر فعودوا إليها".. لم يصدر هذا الكلام عن شاب عنصري أهوج، بل عن رئيس حزب فرنسي يشارك في الانتخابات وينافس في الرئاسيات. وهو تعبير عن رأي صار له مؤيدون كثر؛ لم تتفتح أعينهم إلا على فرنسا "الرخاء الاجتماعي". لم يعلم هؤلاء، عكس نيكولا دوبونتانيون صاحب الكلمات السابقة، أن من يتحدثون عن استقبالهم وإطعامهم وتعليمهم استقدِم أسلافهم من قراهم ومدنهم؛ للمساهمة في بناء فرنسا المدمرة بعد أن حررها كثير منهم من الاحتلال النازي. اشتغلوا في مهن خطرة ورّثت كثيرا منهم الأمراض والعجز الجسدي. نظفوا الشوارع وحفروا الأنفاق وبنوا الطرقات، واشتغلوا بالمناجم والمعامل، وارتضوا المهانة بالسكن في الغيتوهات المسماة ضواحي. وعندما صار لأبنائهم شأن في الرياضة والفن، ونالوا حظا من التعليم، أصبح ولوجهم الحياة العامة رهين قوالب معلبة لا تسمح للغالبية منهم من الانعتاق وفقا لشعار "الحرية والأخوة والمساواة". صاروا اليوم مجرد مشاغبين يواجهون قوى الأمن ويخربون المنشآت، وصار احتفالهم بفوز أو إنجاز للوطن الأم تحديا للقيم الفرنسية، وانقلابا على اليد العطوفة التي امتدت إليهم إطعاما وعلاجا.

لم ينس الفرنسيون المتعصبون كيف أن عددا من لاعبي الكرة رفضوا اللعب لمنتخبات فرنسا، وفضلوا الوطن الأم، حيث يصنعون الفرحة والمجد. ولن ينسوا بعد اليوم أن كثيرا ممن اختاروا اللعب بألوانها الثلاثة صاروا يتقاسمون فرحة الوطن، رفعا للشعارات ورقصا على أنغام الأهازيج. وبدل طرح السؤال عن الأسباب وراء ذلك، تراهم يقلبون الحقائق ويستثيرون العواطف، وينسون أن لفرنسا اليد الطولى في ما تحصده اليوم من "نكران جميل".

الوجود "المغاربي" في فرنسا استحقاق وليس منة تحتاج التذكير بها كلما ضاقت الآفاق السياسية وانحسرت وسائل إقناع الناخبين.

الوطن في الأول والأخير هو الذي يسكننا مهما ابتعدنا عنه وتغربنا، أما البقاع التي نسكنها، فتبقى مجرد مستوطنات من أرض الله الواسعة مفتوحة أمام عباده، مهما اختلفت اللأوان والألسن والأعراق والديانات.

التعليقات (1)
شوقي
الجمعة، 26-07-2019 12:18 م
وان تو ثري انجليزي فيفا اسباني لالجيري فرنسي ايها المثقف الصحفي اين الشرف هنا؟؟؟؟ ثانيا الحراك مخترق من طرف البربريست و البربريست مخترقين من طرف فرنسا و الصهائنة و الماسونية ثانيا ماذا فعل زيدان للشعب الجزائري هو فرنسي و لعب لفرنسا و لا يساند أي قضية تخص العرب و المسلمون فلا داعي لجعله رمز جزائري للأسف تحاربون الحضارة العربية بكتابتكم بالعربية و من خلال جريدة عربية