كتاب عربي 21

عام صعب!

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
سيظن القارئ العزيز أن المقالة تتحدث عن العام الميلادي 2018، وله كل الحق في ذلك، فقد كان عاما شديد الصعوبة على كل أحرار الوطن العربي، وعلى كل المنتمين لثورات الربيع العربي المغدور، والمهمومين بالشأن العام في دولنا العربية المحتلة بحكامها.

ولكن المقالة تتحدث عن العام الميلادي القادم 2019!

من المفترض أن يكون عاما شديد الصعوبة على أعداء الثورات.. على معسكر الثورة المضادة في تل أبيب والقاهرة وأبو ظبي والرياض.

لماذا؟

فلنحاول الإجابة!

* * *

في هذا العام سينشغل الرئيس الأمريكي (وهو أحط رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية) بشأنه الخاص، فاستمراره في السلطة سيكون همه الرئيسي مهما فعل.
من المفترض أن يكون عاما شديد الصعوبة على أعداء الثورات.. على معسكر الثورة المضادة في تل أبيب والقاهرة وأبو ظبي والرياض


سيستمر المحقق الخاص في مساءلته عن علاقته بروسيا، وعن تدخلها في الانتخابات الأمريكية، وهو بهذا أول رئيس في تاريخ أمريكا يشكك في شرعيته الانتخابية!

كما ستبدأ مساءلته عن علاقاته المالية بالمملكة العربية السعودية، بعد أن فتحت أزمة الشهيد جمال خاشقجي ملف علاقاته بالمملكة؛ بسبب دفاعه الأهوج غير المبرر عن "مبس".

سيكون على السيد ترامب أن يواجه مجلس النواب ذا الأغلبية الديمقراطية، وأن يواجه مجلس الشيوخ الذي يقف غالبيته ضده في مواضيع كثيرة برغم أغلبيته الجمهورية.

سيضطر إلى تقديم تنازلات كثيرة (هل يكون من ضمنها أن يمنح اللمسة الأخيرة لعزل ابن سلمان؟).

وفي نهاية الأمر... سيظل استمراره في السلطة إلى نهاية العام أمرا مشكوكا فيه في نظر كثير من العالمين بالشأن الأمريكي.

* * *

ضعف ترامب وانشغاله يقابله أيضا ضعف آخر في تل أبيب، تلك الأفعى التي تدعم المستبدين العرب في القاهرة والرياض وأبو ظبي ومقديشيو والمنامة (هل نذكر عواصم أخرى؟).

أغلب الظن أن تقام انتخابات مبكرة، وأن يخسرها نتنياهو. وأيا كان القادم، سيدعم المستبدين العرب، ولكن حالة الارتباك التي ستكون عليها تل أبيب لعدة شهور لا محالة ستكون خبرا سيئا على تلك العواصم، وعلى العملاء الذين يحكمونها.

 

ضعف ترامب وانشغاله يقابله أيضا ضعف آخر في تل أبيب، تلك الأفعى التي تدعم المستبدين العرب في القاهرة والرياض وأبو ظبي ومقديشيو والمنامة

* * *

في القاهرة... يندفع "سيسي" لتطبيق المطلوب منه دوليا، أعني رفع الدعم الكامل عن المحروقات، وما سيتبع ذلك من موجة غلاء فوق غلاءات سابقة!

هذا العام (2019) سيكون شديد الصعوبة على "سيسي"!

لا يوجد مخرج من تلك الورطة، فلا هو يستطيع تأجيل تطبيق تلك القرارات، ولا هو يستطيع أن يتدارك تأثيرها. وتأثيرها سيكون ساحقا، بحيث لن يتمكن غالبية الناس من الحركة من بيوتهم بسبب تكلفة المواصلات التي سترتفع بشكل لا يعلمه إلا الله، كما أن هذا الارتفاع سيتبعه غلاء في كل شيء أساسي أو كمالي في حياة الناس.

من حسن حظ "سيسي" أن بقاءه يعتمد أولا على خيبة خصومه، وربما يكون السبب الوحيد الذي يدعم بقاءه في السلطة رغم تلك القرارات... هو خيبة المعارضة المصرية، تلك المعارضة التي آن لها أن تتحد؛ لأن سقوط "سيسي" أمر وارد، وتفرق هؤلاء المعارضين يتيح لكل القوى الدولية (بالتعاون مع أهل الحكم من عملائهم في الداخل) أن يفرضوا على الأمة أي سيناريو يمدد بقاء الاستبداد سنوات أخرى... حتى يأتي يوم يتاح فيه بديل وطني.

من حسن حظ "سيسي" أن بقاءه يعتمد أولا على خيبة خصومه، وربما يكون السبب الوحيد الذي يدعم بقاءه في السلطة رغم تلك القرارات... هو خيبة المعارضة المصرية

* * *

في الرياض... أزمات اقتصادية وسياسية لا أول لها ولا آخر، ومن يدير الأمر أصبح كبعير أجرب، لا أحد في العالم كله يريد التعامل معه. لقد أصبح مجرد مصافحته من قبل أي زعيم عالمي "خبرا"!

مصافحة السفاح "بوتين" للسفاح "ابن سلمان" أصبحت إنجازا... لقد قبل الرئيس الروسي أن يصافحه... وظلت صحافة المملكة تعيد اللقطة بالتصوير البطيء عدة أيام، وكأنها هدف كرة قدم في نهائي كأس العالم!

هذا الأرعن الذي لا يصافحه أحد... ينتظره عام شديد الصعوبة!

سيظل ابن سلمان طوال الوقت هذا العام يدير أزمة الشهيد خاشقجي، فبعد أن أمسكه الأتراك بالجرم المشهود (أعني ابن سلمان)، وبعد أن بدأت مساعي تدويل القضية، وبعد أن أصبح عدوّ الصحافة والإعلام الحر الأول في العالم كله، لا شك أنه سيدفع ثمنا غاليا... وهذا الثمن من المحتمل (هل نقول من الراجح؟) أنه سيكون موقعه كولي للعهد.
سيظل ابن سلمان طوال الوقت هذا العام يدير أزمة الشهيد خاشقجي، فبعد أن أمسكه الأتراك بالجرم المشهود (أعني ابن سلمان)، وبعد أن بدأت مساعي تدويل القضية

بدأ تضييق آخر بانسحاب أمريكا من الحرب القذرة في اليمن، ومجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية ما زال في جعبته الكثير لابن سلمان!

* * *

في أبو ظبي... ينتظر أبناء زايد عاما أسود!

دبي تخسر خسائر تاريخية، والتحالف مع حكام دبي (آل المكتوم) في لحظة حرجة.

احتكارهم لموانئ الإقليم كُسر بشكل لا يمكن إعادته أبدا، فها هي موانئ قطر وعمان وباكستان افتتحت، أو على وشك أن تفتتح.

وها هي موانئ اليمن والصومال تخرج من قبضة دولة المؤامرات لتتعاقد مع ما فيه مصلحتها الوطنية!
في أبو ظبي... ينتظر أبناء زايد عاما أسود! دبي تخسر خسائر تاريخية، والتحالف مع حكام دبي (آل المكتوم) في لحظة حرجة

كل ذلك يأتي في اللحظة التي فقدت فيها الدولة سمعتها الدولية بسبب رعونة حكامها، فانتهاكات المليشيات التي تستأجرها الإمارات في اليمن أصبحت منشورة في العالم كله، وصواريخ الحوثي تقترب يوما بعد يوم من أماكن حساسة داخل الإمارات، ومن يعتمد على "دحلان" لا يملك سوى أن يستمر في مسلسل الاغتيالات والأعمال القذرة... ولكن هذا النهج لا يحسم حربا، ولا يخضع شعبا، وله - دائما - ذيول يمكن تتبعها، وإذاعتها على الهواء مباشرة أحيانا!

* * *

خلاصة القول... لأسباب أكثر من أن تحصر في مقالة، سيكون عام 2019 عاما صعبا على تحالف الثورة المضادة... ولو أن المعارضة العربية (وعلى رأسها المعارضة المصرية) كانت على مستوى التحدي لربما كان هذا العام عام الحسم... ولربما كان فصلا هاما في تاريخنا الوطني.

لقد آن الأوان لتقديم المصلحة الوطنية على جميع المصالح الشخصية والحزبية؛ لأن الواقع سيتغير إلى الأسوأ إذا مر هؤلاء المجرمون دون حساب.

وفي الوقت نفسه يمكن أن يتغير هذا الواقع للأفضل... وفي الحالتين، سيكون التاريخ شاهدا على مشهد من مشهدين... إما مشهد اتحاد تذكره الأجيال بالخير للأبد... أو استمرار لمشهد الأنانية المفرطة، وعمى البصيرة... مع لعنات من أجيال ستأتي... لعنات ربما تستمر إلى يوم الدين!

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]
التعليقات (3)
ايمان
الإثنين، 24-12-2018 02:50 م
الله عليك .
ابو العبد الحلبي
الأحد، 23-12-2018 06:49 م
لقد أبدع الأستاذ عبد الرحمن في هذا المقال من دون شك. الوارد في المقال قراءة استشرافية متعمقة لمستقبل ليس ببعيد بناءً على معطيات قائمة ، و هذا ليس تفكير أمنيات أو سباحة في الأوهام. لو أن شخصاً قال في عام 1988 أن الاتحاد السوفيتي سينهار قريباً و أن جدار برلين سيزول لتعود تلك المدينة عاصمة لألمانيا الموحدة ، لجرى اتهام ذلك الشخص بأنه مخبول . بحسب الوقائع الجارية ، و التي جرت من قبل ، استنفذت زعيمة العالم المتغطرسة كل ما في جعبتها ضد الشعوب المسلمة و الموجود في تلك الجعبة حقد وبائي لا نظير له عبر التاريخ فتحركت بشراسة ضد ثورات الربيع العربي التي طالبت بشكل أساسي بأن تتنفس الشعوب عبير الحرية و الكرامة و العدل و لم تطلب شيئاً غير ذلك لكنها جوبهت بقمع وحشي تجاوز كل الحدود. مستوى تلك الحركة المضادة للثورة كان عبر الأوامر بتمويل سخي من دويلات نفطية و باستيراد مليشيات قتل طائفية مغسولة الأدمغة بعدائية لا تبرير حقيقي لها. و كذلك عبر الاستعانة بدولة مافياوية امتهنت سلوك المرتزقة الإجرامي . و كان طبيعياً تفعيل الأذناب و الأجراء على كافة الأصعدة من أجل تمديد عمر الظلم و الاستبداد. الحاصل أنه قد سقط النقاب عن الوجوه الغادرة و حقيقة الشيطان باتت سافرة لدى النخب في أمتنا و لذلك سيكون هنالك تغيير إيجابي لكن ليس بالضرورة خلال عام أو عامين و لكنه قريب بعون الله فما بعد العسر سوى اليسر و ما بعد الشدة إلا الفرج. إذا صح ما يقوله البعض عن هروب زعيمة الطغيان من مناطقنا ، فإما أن رئيسها عبقري بشكل استثنائي أو أن الدولة العميقة لديهم عندها معلومات يجهلها الكثيرون من الناس .
مصري جدا
الأحد، 23-12-2018 05:00 م
قولا واحدا ،، لا امل في المعارضة المصرية الإسلامية او المدنية سواء بسواء ،، لماذا ،،، معارضة فشلت في أجواء الفرص الوفيرة فما بالك بأجواء ندرة وانعدام الفرص ،،، معارضة اختلفت في كل شئ واتفقت على إضاعة حلم المصريين وكل بطريقته لكن في الأخير تحول الحلم إلى كابوس ،،، لا امل في المعارضة التي نشآت وترعرعت في أجواء التشاحن والخصومة والعداء بعيدا عن أجواء التسامح والشراكة والقبول المتبادل ،،، الامل الوحيد في جيل جديد من قيادات المعارضة ،، جيل ثورة يناير او امتدادا له ،، نعم هذا يتطلب وقت ،، لكن مرور الوقت دون استدعاء ووجود هذه المنصة هو إهدار ما تبقى من الوطن ،، بقايا المعارضة المصرية في بقايا الوطن المصري لا امل فيها والكلام في هذا المضمون حق لكل إنسان لكنه مضيعه للوقت وإهدار لبقايا موارد مصر ،،،، لا تضيعوا وقتكم وابحثوا عن منصة قيادة جديدة للحركة الإسلامية وفي المقدمة الإخوان والحركة المدنية ،،، هذا هو الحل ،،،