هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من شاهد المؤتمر الصحافي للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في اليوم
التالي للانتخابات النصفية، والمشادة الحامية بينه وبين مراسل "سي إن إن"
جيم أكوستا، تأكد كم كان ترامب متأثرا بل ومهزوزا من تلك النتيجة، والتي أجمع
المحللون واستطلاعات الرأي على أنها هزيمة شخصية له ولسياساته العنصرية وخاصة في
موضوع الهجرة.
فالانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، التي تشمل كل أعضاء مجلس
النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، تعدّ تاريخيا استفتاء شعبيا على سياسات الرئيس بعد
سنتين من دورته الأولى. إنها قياس للمزاج العام من مسلكية الرئيس وأدائه في
السنتين ألأوليين.
المحصلة
من انتخابات الثلاثاء الماضي، أن الحزب الديمقراطي عاد وسيطر على مجلس النواب
الأمريكي بأغلبية مريحة، بينما ظل الحزب الجمهوري محتفظا بالأغلبية في مجلس
الشيوخ. وللعلم فانتخابات مجلس النواب أكثر صدقية في قياس المزاج العام من
انتخابات مجلس الشيوخ لأسباب عديدة أهمها، اقتراب مرشح مجلس النواب من الناس
العاديين الذين سيمثلهم لسنتين فقط ويستطيعون محاسبته بسرعة بينما ينتخب عضو مجلس
الشيوخ لست سنوات لا يحتاج فيها التواصل المستمر مع سكان الولاية. والنقطة
الثانية، أن المرشح لمجلس النواب ينتخب مباشرة من دائرته الانتخابية الصغيرة والتي
يسكن فيها ويعرفه الناس فيها شخصيا بينما ينتخب مرشح مجلس الشيوخ من الولاية كلها.
الأقليات
والمرأة
مساء
يوم الانتخابات تجمع أبناء الجالية العربية في مركز الجالية الفلسطينية في مدينة
كلفتون/ باترسون في ولاية نيوجرسي لمتابعة النتائج. وجرى نقاش بين الحاضرين
وغالبيتهم من النساء، حول الانتخابات وسياسات ترامب العنصرية ضد العرب والمسلمين
والمهاجرين وذوي الأصول اللاتينية والسود والمرأة. كانت النتائج تصل تباعا وتظهر
التفوق الكبير لمرشحي الحزب الديمقراطي حتى في مناطق كانت تعتبر معقلا آمنا
للجمهوريين. وقد تناوب الحاضرون وبشكل ديمقراطي على تقديم مجموعة من الملاحظات
والدروس والعبر يمكن تداولها كجالية عربية معنية بما يجري في هذه البلاد واتفق
الجميع على تعميم هذه الملاحظات والدروس بين يدي الجالية والتي أوجزها في النقاط
التالية:
أولا:
إذا كانت الجالية العربية والمسلمة ستنتخب مرشحين على أساس سياساتهم الخارجية فلن
تنتخب أحدا. لذلك على أبناء الجالية العربية أن تختار مرشحها على أساس قضايا
داخلية، مثل المساواة والموقف من الهجرة والتأمين الصحي والضرائب وحماية البيئة
وحماية أموال الضمان الاجتماعي وما شابه. فمن ناحية السياسة الخارجية، فكل من
الحزبين يتنافسان في دعم الكيان الصهيوني. واتفق الجميع على أن فشل المرشح
الديمقراطي من أصل فلسطيني، عمار النجار، في الدائرة الخمسين في ولاية كاليفورنيا
ليس لأنه غير مؤهل، بل لأن منافسه الجمهوري، والمدان في قضية فساد، اتهمه بأنه
حفيد قائد إرهابي.
والعبرة أن الانتصار لفلسطين في الانتخابات يعتبر موضوعا لا يحظى بأي
شعبية لغاية الآن والتغيير سيكون بطيئا من أسفل إلى أعلى وليس العكس. وحتى رشيدة
طليب، الفلسطينية من ولاية مشيغان، لم تفز في الانتخابات على أساس سياستها
الخارجية وقضية فلسطين بل لقضايا محلية بحتة.
ثانيا:
لقد لعبت الأقليات وجيل الشباب، نساء ورجالا، من أبناء المهاجرين دورا حاسما في
هذه الانتخابات وشاركوا فيها بالملايين لأنهم متضررون بشكل مباشر من عنصرية ترامب
وإدارته. فهم يريدون أن يوجهوا رسالة لا لبس فيها أو صفعة ضد سياسة ترامب العنصرية
المرفوضة شعبيا. إن هناك إجماعا على أن الانكفاء والانسحاب إلى هامش المجتمع سيقوي
التيارات العنصرية. وما دامت الغالبية الساحقة من الجاليات العربية جعلت هذه
البلاد مقرا دائما لها فلا بد من دخول المعترك السياسي بكافة تفاصيله.
ثالثا:
لقد كانت مشاركة المرأة في هذه الانتخابات "منتخـِبة ومنتخـَبة" ظاهرة
غير مسبوقة، حيث ترشحت 277 امرأة في هذه الانتخابات من كلا الحزبين، جئن من مختلف
الأعمار والأعراق والأديان والتوجهات الجنسية والخلفيات والثقافات، من بينهن
فلسطينية وصومالية وسورية، حيث وصل الآن عدد النائبات الفائزات والعائدات نحو 122
سيدة يشكلن تقريبا ربع المجلس بزيادة ملحوظة عن الدورة السابقة. وسيسجل التاريخ أن
إلهان عمر، أول محجبة تدخل الكونغرس ورشيدة طليب، أول عربية من أصل فلسطيني تأخذ
القسم بثوبها الفلسطيني كما أكدت.
رابعا:
المهاجرون ليسوا فقط من تضرر من عنصرية ترامب، بل طالت سياساته الرعناء معظم
المتحدرين من أصول لاتينية والسود والمثليين والفقراء، إضافة إلى العرب والمسلمين.
لقد أرادت هذه الفئات مجتمعة توجيه رسالة قوية برفض سياسات ترامب والتصدي لها
وإرسال ممثلين عنها لمجلس النواب لفرملة تلك السياسة الهوجاء. الأقليات في العادة
تمنح صوتها للديمقراطيين، لكن المواقف الأخيرة لترامب، خاصة لهجته المضادة للهجرة،
عززت التفاف هذه الأقليات حول المرشحين من الحزب الديمقراطي بشكل أكبر، ما ساعدهم
على الفوز في بعض الولايات المحسومة تاريخيا للجمهوريين.
خامسا:
لقد كان حجم الحضور العربي والإسلامي في الانتخابات الأمريكية تاريخيا محدودا، لأن
حجم الجالية صغير أصلا لا يتجاوز ثمانية ملايين ولأنهم يشعرون بأنهم غير معنيين
بالمشاركة بسبب المواقف المعادية من الحزبين.
لكن الانتخابات النصفية الأخيرة أدت إلى صعود جيل جديد تمكن من إيصال
صوته في دوائر انتخابية فيها حضور قوي للعرب والمسلمين الأمريكيين، وتمكنوا من
إيصال سبعة مرشحين للحزبين من أصل عشرة من أصول عربية إلى الكونغرس، بالإضافة إلى
حاكم ولاية نيوهامشر جون سنونو وعدد من المواقع المهمة في الانتخابات المحلية. لكن
بعض الفائزين متطرف في دعم إسرائيل أكثر من ترامب، مثل دان ديفيد وجاستن عماش
الجمهوريين.
المنتخب العربي والمسلم عادة يعطي صوته للحزب الديمقراطي ليس لسياسته
الخارجية بل لعلاقته بالطبقات الأقل حظا وتساهله في مسألة الهجرة ورفض مسؤولية
اتهام العرب والمسلمين الأمريكيين بتعاطفهم مع المتطرفين. لكن يجب ألا نبالغ في
حجم العرب ووزنهم ودورهم وفاعليتهم. لقد بالغ بعض العرب في أهمية فوز رشيدة طليب
وإلهان عمر ودانا شلالا، وراح يبني قصورا في الهواء وكأنهن سيشكلن جبهة داخل
الكونغرس للانتصار للحق الفلسطيني والضغط على إسرائيل بالانسحاب من الأراضي
المحتلة.
سادسا:
يستطيع الآن مجلس النواب الأمريكي أن يعطل كافة قرارات ترامب المتعلقة بالهجرة
وغيرها من القضايا، فالرئيس الآن لا يمتلك ضوءا أخضر ليفعل ما يريد. صحيح أن ترامب
يستطيع أخذ أي قرار تنفيذي، ولكن يستطيع الكونغرس أيضا تعطيله، وبالتالي ستكون
مهمة ترامب صعبة، ولن يكون أمامه خيار إلا التعاون مع مجلس النواب، في المحصلة
سيكون إقرار قوانين الهجرة أصعب بكثير.
ولكن بما أن الحزب الجمهوري مسيطر على مجلس الشيوخ فستعزز هذه
الانتخابات الانقسام في الكونغرس، وستؤدي على الأرجح إلى جمود تشريعي في ظل عدم
وجود اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين حول العديد من القضايا المطروحة للتشريع
إضافة إلى الانسحاب من العديد من المنظمات والاتفاقيات الدولية.
سابعا:
كانت النتائج مرآة تعكس المزاج العام الآن وليس بعد سنتين، ولذا لا نستطيع أن
نتنبأ ماذا سيحدث بعد سنتين. ولا يمكن البناء على النتائج واعتبار أن ترامب إما لن
يرشح نفسه في الانتخابات المقبلة أو أنه سيهزم. فقد يأخذ ترامب الدروس من هذه
الانتخابات ويغير بعض تكتيكاته، ويراجع بعض سياساته، ويعمل على تعديل بعض المواقف
غير الشعبية، التي أدت للهزيمة في الانتخابات النصفية، وربما تؤثر تلك التعديلات
أيضا على مسلكية الناخبين.
وأود
هنا أن أختم هذه الملاحظات بالتذكير بأننا لا نتوقع أي تغييرات جادة على السياسة
الخارجية إلا في العلاقة مع السعودية بسبب جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
إذ أظهر العديد من النواب، خاصة من أتباع الحزب الديمقراطي، حساسية عالية من
مسؤولية السعودية بشأن تلك الجريمة البشعة ومقتل المدنيين في حرب اليمن خاصة
الأطفال، إضافة إلى موضوع انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان داخل السعودية نفسها.
فمن
المنتظر أن يصوت مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين على قانون يمنع أو يحدد صفقات
السلاح مع الرياض ويجعل من الصعب الفوز بموافقة الكونغرس على اتفاق للطاقة النووية
مع المملكة واتخاذ تدابير لوقف تزويد الطائرات الأمريكية بالوقود وإعادة النظر في
دعم حملة التحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن.
في
المحصلة نتوقع حصول تغيير ولو بطيء للسياسة الأمريكية تجاه السعودية. لكن المشكلة
أن الولايات المتحدة كلها أدمنت على الأموال السعودية وأعضاء الكونغرس ينصاعون
عادة إلى رغبات المجمع الصناعي العسكري، بما يصب في صالح سياسة ترامب في التغاضي
عن مسألة الحريات وحقوق الإنسان في السعودية والإصرار على الالتزام بصفقة المبيعات
الضخمة للأسلحة الأمريكية أولا وبالتالي تنتصر المصلحة على المبدأ وتعود الأمور
إلى سابق عهدها في تدليل الحلفاء ولو على حساب دم أطفال اليمن.
عن
صحيفة القدس العربي