"يخفون في أنفسهم ما الله مبديه"؛ فلا يمكن فهم هجوم أحد الدعاة السعوديين على
أردوغان نيابة عن المملكة إلا في هذا السياق!
لم يدس الرئيس التركي لآل سعود على طرف، ولم يهاجمهم ولو بشطر كلمة، وعندما ينبري أحد دعاتهم (نايف العساكر)، مهاجماً، بل ومبشراً بدرس سعودي لأردوغان ليعرف حجمه، فلا بد من السؤال: لماذا؟!
حتى وقوع محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت العلاقات
السعودية التركية، لا سيما في عهد الملك سلمان، كالسمن على العسل، ولم يؤثر فيها أن المملكة كانت أحد الرعاة للانقلاب العسكري الذي جرى في مصر، إن شئت فقل إن كل طرف كان حريصاً على عدم التدخل في سياسات الطرف الآخر، فلم تؤثر في العلاقة بين أنقرة والرياض؛ القطيعة بين النظام التركي وقائد الانقلاب العسكري في مصر!
قبل محاولة الانقلاب الفاشلة في
تركيا، كان هناك اتجاه لتمدد هذه العلاقة، لتشمل الإمارات ومصر، وذلك لمواجهة التحديات الخارجية. وكان معلوماً أن وجود السيسي على سدة الحكم في القاهرة يعوق البدء في ذلك، لولا قبول أردوغان بفكرة علاقة الحد الأدنى مع شخص خان رئيسه الشرعي وهو لا يقبله على المستوى النفسي. وتردد أن هناك مصالحة ستتم بين الإخوان والسيسي برعاية الأطراف كافة من أجل إتمام الحلف الجديد، تنص على توقف الجماعة عن إعلان العداء له، في مقابل الإفراج عن المعتقلين (كل حسب حالته ووضعه القانوني)، ولم تكن المصالحة تعني، أن يعود الإخوان للعمل السياسي!
وكانت الدائرة تتسع لتشمل الإمارات، كما تشمل قطر التي لم تكن في هذه الفترة على عداء مع السعودية التي زار ملكها الدوحة، وكان مبتهجاً بهذه الزيارة، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان!
فالجمرة الخبيثة في "أبو ظبي" استعادت قدرتها على السيطرة على الحكم في المملكة السعودية، بعد نهاية نفوذها برحيل الملك عبد الله والذين معه، حيث رحل الملك إلى القبر، ورحلوا هم إلى خارج القصر، وقد استغل حاكم أبو ظبي طموح محمد بن سلمان في خلافة والده وهو على قيد الحياة، باعتباره قريبا من ترامب وكان داعماً له في حملته الانتخابية، وقد تبدت العورات مؤخراً للناظرين، فقام بتغذية هذا الطموح من ناحية، وأكد قدرته على تحويل أحلام الفتى إلى واقع من ناحية أخرى، ومن هنا تسلل، ثم بدأ في استغلال الفتى في تنفيذ مخططاته، وعلى رأسها إسقاط النظام القطري؛ الذي يبدو أن كراهيته تمكنت من أهل الحكم في السعودية وأبو ظبي، رغم التقارب، "حسداً من عند أنفسهم"!
فكان الحصار، ثم كان التلويح بالغزو، والتلويح كذلك بتغيير الحكم، لكن سبق هذا أن تبين أن الخيانة تجري في العروق مجرى الدم، فكانت محاولة الانقلاب بتركيا في ليلة تجلت فيها المؤامرة التي ثبت أن أبو ظبي ضالعة فيها، وبدا الحكم السعودي خائناً بالصمت، وبحجم العلاقة التي تربطه بحاكم تركيا، كان عليه أن يبادر بإعلان رفضه للانقلاب على حليف للمملكة، لكن كان واضحاً أنه جزء من المؤامرة، فلم يفعل سوى ما فعلته الأنظمة الغربية، التي صمتت ليلة كاملة، وعندما تبين لها فشل الانقلاب أعلنت عن انحيازها للنظام التركي المنتخب! هذا فضلاً عن أن الإعلام السعودي أعلن انحيازه المبكر للانقلاب، مثله في هذا مثل الإعلام الإماراتي، وبدا أنه جزء من المخطط، وأسرها أردوغان في نفسه!
فلم يعلن الرئيس التركي العداء مع السعودية، بل ظهر متجاوزا حتى ضلوع أبو ظبي في المؤامرة فيها، فلم يهدد ولم يتوعد، وأي تهديد كان يمكن أن ينهي بحر الرمال المتحرك هذا، فإذا استشعر المستثمرون بعدم الأمان على مستقبل الإمارة، فإن دبي ستكون مدينة للأشباح، وأثراً بعد عين!
والحال كذلك، فعندما يدفع السعوديون بداعية نكرة، ليهاجم أردوغان، في هجوم لا مبرر له، فإنه المريب الذي يقول خذوني!
لا أعرف الصفة التشريحية لـ"نايف عساكر"، لكن الإعلام قدمه على أنه "الداعية السعودي"، ولا يمكن لمثلي أن يعتبر أن تهديده لأردوغان يعود لحرية الرأي في بلد يدخل فيه السجن من يدعو على الظالمين، أو يلمز ويغمز في أبي جهل، وقد أخذوا أحد أئمة الحرم المكي من الدار للنار، ومن منبره للسجن؛ لأنه ألقى خطبة رفض فيها الخروج على القيم الدينية، فتحسس أهل الحكم هناك "بطحتهم" ونكلوا به!
بل إن أحد الدعاة تم إلقاء القبض عليه وايداعه أحد السجون السعودية؛ لأنه كان معاتبا للقطيعة مع قطر، مجرد "معاتباً" لا مهاجماً، ولا منتقداً!
فعندما ينبعث أشقاها فيهاجم أردوغان، فإنه يكون معلوماً للكافة أنه مسير لا مخير، وقد قال إنهم سيلقنون أردوغان درساً ليعرف حجمه، ودعا السياح بالخليج إلى مقاطعة تركيا، باعتبار الرئيس التركي عدوا لهم!
لم يقل "الداعية السعودي" ما هو سر عدائهم لأردوغان!.. ولماذا اتخذوه عدواً، وهو الذي لم يقترب من رحابهم ولو بشطر كلمة! ولماذا يكون هو العدو وليس نتنياهو، ولماذا يهاجم رجب أردوغان، ولم يهاجم مثلاً الرئيس الإيراني؟!
السعودية كما يقول المثل المصري الدارج في "هم ما يتلم"، فإيران تحاصرهم من كل اتجاه، ليكونوا في حكم من يأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت، وإذا كانوا قد اعتمدوا على ترامب في تأديبها، فهو يبدو عاجزاً إلى درجة أنه يدعو للحوار فيرفضه الإيرانيون. ومع كل هذا، يجد القوم لديهم مللاً يتحدونه بالهجوم على الرئيس التركي، لمجابهة الفراغ القاتل.. فلماذا أردوغان؟!
مشكلة الرئيس التركي في أنه أظهر ضعف القادة العرب، فهو يقف شامخاً في مواجهة التهديد الأمريكي، رأساً برأس، في وقت جاء فيه للرياض لجمع الجزية، ويلتقي بمحمد بن سلمان، فيعامله معاملة تاجر السلاح، مع الثري الساذج!
لا نعرف المقصود بإعلان الداعية السعودي بضربة ترد أردوغان لحجمه الطبيعي، والرجل حجمه بحجم أبو إيفانكا محبوبة الجماهير في بلاد الحرمين وفي حجم القادة الغربيين، ويرفض الدنية في أمره، والدعاة الرسميون في السعودية يعتبرون ساكن البيت الأبيض ولي الأمر الشرعي، وأن الرئيس التركي خرج على طوعه!
فتش عن والد إيفانكا، فأزمة القوم مع أردوغان، أنه تطاول على ولي، ولي، الأمر، على وزن ولي، ولي، العهد!