مقالات مختارة

عندما يجري التلاعب بالعلم

فاي فلام
1300x600
1300x600

يعشق أنصار الأدوية والعلاجات المعتمدة على العلم القول بأن الأدوية هي البديل الناجع لأنماط العلاجات البديلة، وهي الوحيدة القادرة على اجتياز الاختبارات العلمية. إلا أن ما يغفلون ذكره تلك العناصر من الأدوية القائمة منذ أمد بعيد التي جرى خفض منزلتها إلى «البديلة»، أو هكذا ينبغي لها.


على امتداد سنوات، ظل الأطباء يلحون عليَّ - وعلى الكثيرين غيري، على ما يبدو - لتناول جرعة يومية من مكملات الكالسيوم وفيتامينات متنوعة. ولم أجد غضاضة في ذلك، خصوصا أن الأطباء أكدوا أن هذا يعد بمنزلة تأمين بالنسبة إليّ، وأن الهدف من الكالسيوم حماية العظام من الكسور والتشظي. أما الفيتامينات المتنوعة، فرغم أن الأطباء لم يطرحوا رأيا واضحا بهذا الخصوص، فإنهم أصروا على ضرورة أن أتناولها.


اليوم، أشارت «كايسر هيلث نيوز» إلى أن غالبية الأمريكيين الأكبر سنا «سقطوا في فخ» الفيتامينات. وتناولت القصة الصحفية التي أعادت «النيويورك تايمز» نشرها، بالتفصيل مجموعة من الدراسات العلمية التي أظهرت أن مكملات الفيتامينات لا تحقق فوائد ولا تسبب أضرارا. وأعرب خبراء عن اعتقادهم بأن مسألة مكملات الفيتامينات برمّتها لا تعدو كونها صورة من صور التحايل بصبغة علمية زائفة، كما لو كانوا هم أنفسهم لم يكونوا قط جزءا رئيسيا من المشهد العلمي الدوائي القائم.


من ناحيته، ضم بول أوفيت، طبيب الأطفال بمستشفى «تشيلدرينز هوسبيتال أوف فيلادلفيا»، الفيتامينات إلى ما يُعرف بالمعالجة المثلية والاستشفاء بالطاقة، إلى صف الطب الزائف في كتابه «هل تؤمن بالسحر؟». وأشار إلى أن المؤسسة العلمية الطبية افترضت خلال فترةٍ ما بالفعل، أنه يتعين على كل فرد تناول الفيتامينات، وأصبحت التوصية بتناول الفيتامينات عادة في أوساط الأطباء على مستوى العالم.


وأضاف أوفيت أنه في حقيقة الأمر يعتمد الاعتقاد بفوائد الفيتامينات التكميلية بالنسبة إلى الأفراد الأصحاء على افتراضات أكثر عن البيانات، مثلما الحال مع الكثير من الممارسات الشائعة الأخرى في مجال الطب والدواء. ورغم انطلاق الطب بسرعة الضوء في القرن الـ21 مع تحقيق قفزات طبية كبرى مثل العلاج المناعي والاختبارات الجينية والاستعانة بالروبوتات في إجراء جراحات، إلا أنه لا يزال المجال الطبي يتحرك بسرعة السلحفاة على صعيد التخلص من ممارسات قديمة عفى عليها الدهر.

 

وأضاف أوفيت أن الأطباء تحركوا ببطء باتجاه التوقف عن توصياتهم الحثيثة باعتماد أنظمة غذائية منخفضة الدهون، ولا يزالون مترددين حيال الاعتراف بالبيانات التي تشير إلى وجود سلبيات لعمليات المسح العامة التي تُجرى للأورام السرطانية في البروستاتا والثدي. وأكد أن فكرة ضرورة أن يستمر الأفراد في تناول مضادات حيوية بعد فترة طويلة من شعورهم بالتحسن لم تعتمد قط على اختبار علمي. والآن، بدأت الشكوك تحيط بجدوى هذه الفكرة.


على الجانب الآخر نجد أنه على خلاف الحال مع الكثير من صور الطب البديل، من الممكن أن تخلّف الفيتامينات فوائد حقيقية بالنسبة إلى بعض الناس. وقد كانت قفزة كبرى في مجال الصحة العامة عندما اكتشف علماء أن الأطعمة تحتوي على مركبات أساسية، أُطلق عليها «فيتامينات» عام 1912. وللمرة الأولى، أدرك الأطباء أن الأفراد يصابون بالمرض حال اعتمادهم على نظام غذائي غير متوازن، حتى ولو استهلكوا عددا كافيا من السعرات الحرارية للحيلولة دون تضورهم جوعا.


اليوم، يعجّ الكثير من الأطعمة بالفعل بالفيتامينات، وأصبح من النادر بالنسبة إلى الأفراد الذين لا يعانون ظروفا صحية استثنائية، أن يواجهوا نقصا في الفيتامينات، حتى ولو لم يعتمدوا على نظام غذائي مثالي. إلا أنه في فترةٍ ما خلال ثمانينات القرن الماضي، ثار سخط الأطباء تجاه الطعام كمصدر للتغذية. وأخبرونا أنه من غير الآمن تناول دهون من أي نوع، أو أي شيء يحوي الملح. وكان من المفترض أن نتجنب تناول الجمبري والمكسرات والبيض والجبن. ومع أن الخضراوات ظلت على قائمة أنماط الطعام المقبولة، فإنها بدت باهتة للغاية لدى طهيها من دون زيت أو زبد أو ملح.


بعد ذلك، بدأت مرحلة «تشويه» السعرات الحرارية، التي تعد مقياسا للطاقة. وفي الوقت الذي يمكن لحساب السعرات الحرارية المساهمة في حمايتنا من تناول كميات ضخمة من الطعام رديء الجودة، فإن بعض الخبراء أعربوا عن اعتقادهم بأن فكرة الولع بعدد السعرات الحرارية برمّتها، تقوم على فرضية أن الطعام أمر سيئ. في المقابل، شكّلت الفيتامينات العنصر الأكثر خلوا من السعرات الحرارية ومن الدهون، وافترض الأطباء لذلك أنها لا يمكن أن تكون ضارة.


تدريجيا، بدأت دراسات علمية تكشف أن الطعام ليس بمستوى الخطورة التي سبق افتراضها، وأن مكملات الفيتامينات والمعادن الغذائية يمكن أن تسبب أضرارا. وتواترت بيانات تكشف أن مكملات الكالسيوم لا تقلل مخاطرة تعرض العظام للكسر، في الوقت الذي ربما تزيد مخاطرة تكوّن حصوات بالكلى. وخلصت دراسة أُجريت على مستوى السكان إلى أن أقل من 3% ممن شملتهم الدراسة يعانون نقصا في الحديد، بينما قرابة 13% يتسمون بمستويات من الحديد مرتفعة على نحو ينذر بالخطر.


وتوصلت دراسات أخرى إلى أن مكملات فيتامين «أ» زادت مخاطرة الوفاة بين مرضى سرطان الرئة، بينما زادت مكملات فيتامين «إي» مخاطرة الوفاة بين مرضى سرطان البروستاتا.


وهنا يطرح تساؤل نفسه: بالنظر إلى أن الجرعات الأكبر من فيتامينات بعينها يمكن أن تسبب أضرارا، ألا يعد السبيل الأسلم تناول بعض السبانخ وتجنب الأقراص؟ في الواقع، ثمة فلسفتان تسودان الحقل الطبي؛ تناول كل شيء على سبيل الاحتياط، أو انتظار التحقق العلمي قبل الإقدام على أي شيء. وبناء على خبرة طويلة، أرى أن المسار الأخير أكثر عقلانية.

 

الشرق الأوسط اللندنية

0
التعليقات (0)