هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أحد المزالق المهمة، ذات المدلولات الكبيرة، في أداء بالجيش
الإسرائيلي، وقعت بعد عشرين عاما من هدوء شبه مطبق في الأراضي الفلسطينية، نهاية
عام 1987، مع انطلاق الانتفاضة الأولى، حيث وقف الجيش على مفترق طرق ليس له من عودة إليها، وبالتالي
منذ اللحظة التي قبل فيها مهمة قمع هذه الهبة الشعبية، تغيرت ملامحه دون أن يتعرف
إليها أحد.
أصبح
الجيش الإسرائيلي متورطا داخل المناطق المحتلة، في الضفة الغربية وقطاع غزة، في
عدد غير محدود من الأوضاع غير المستوعبة، لدرجة أنهم يضعون أخلاقيات وآراء الجنود
والضباط تحت امتحان واختبار يومي غير مرغوب فيه، وبالتالي كثيرا ما تخرج الأمثلة
غير القانونية إلى حيز العلن على أرض الواقع؛ لأنه في الكثير من الحالات لا تعلم
قيادة الجيش عنها شيئا.
تعددت
السلوكيات المشينة التي يمارسها الجنود بحق الفلسطينيين، كالتسبب بإحداث أجواء من
الفوضى على حاجز عسكري، أو إخافتهم بصورة غير مبررة، فإن أحدا لا يتوجه لقيادة
اللواء في المنطقة، وبعيدا عن الأفعال المتطرفة جدا، التي قد تصل قتل الأبرياء،
وممارسة سلوك الابتزاز، فإن الصورة النمطية واليومية للجيش، هي التي تتسبب بتشويه
صورة الجندي المنفرد، والجيش كجهاز متكامل، على حد سواء.
ومع
ذلك، وحتى تتمكن "إسرائيل" من حسم المعركة الدائرة في المناطق
الفلسطينية، كان المطلوب وجود جيش آخر، حكومة أخرى، دولة أخرى، لكن قيادة الجيش في
العادة ترفض الاعتراف علنا بوجود مشكلة داخل مؤسستها العسكرية، والقليلون الذين
حاولوا لفت الانتباه إلى أن هذا الجيش تكمن مهمته بالدفاع عن حدود الدولة، ولن
يخرج سالما من الانشغال بنظرية الاحتلال.
لقد
اهتزت قدرات الجيش الإسرائيلي كمؤسسة عسكرية، جنودا وضباط احتياط، الذين يفترض
فيهم أن يكونوا القوة القتالية الأساسية في حالة نشوب حرب شاملة، قضوا معظم
أوقاتهم العسكرية في تنفيذ عمليات احتلالية في المناطق الفلسطينية، وبسبب
التقليصات الكبيرة في الميزانية العامة للجيش، انخفضت نسبة التدريبات التي كانت
تجري لعناصر الاحتياط إلى حد الصفر، والوحدات النظامية تم تقسيمها لأطر صغيرة،
وأوكلت إليها مهمات شرطية قاسية، على رأسها استخدام القوة المفرطة ضد سكان مدنيين،
وانشغل جنود الوحدات المدرعة بتنفيذ مهمات على الحواجز العسكرية، وبالتالي انخفضت
استعداداتهم لمهماتهم الأصلية.
العائد
لمختلف سلوكيات الجيش خلال الانتفاضات الفلسطينية المختلفة، يرى الموقف على
حقيقته، حيث استشرت مختلف أشكال الانتهاكات لحقوق الفلسطينيين عبر المحاور التالية:
أ-التمادي
في القتل العشوائي والبارد للشعب المنتفض، رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا.
ب-ارتفاع
عدد الجرحى، ممن كسرت عظام أطرافهم عمدا لعشرات الآلاف منهم.
ت-اقتراب
عدد من زج بهم في المعتقلات التي أنشئت على عجل في الأماكن المقفرة، لعشرة آلاف،
بينهم نسبة غير قليلة من الأطفال.
ث-نسف
ما لا يقل عن مئات البيوت، والإلقاء بسكانها في العراء.
ج-طرد
عشرات الشبان من أرض الوطن، تحت زعم أنهم من قيادة وكوادر الانتفاضات.
ح-إجهاض
مئات النساء الحوامل بالغازات المسيلة للدموع داخل المنازل، بعد إحكام إغلاق
أبوابها.
خ-إحراق
مئات الدونمات من المزارع، ورشها بالمواد الكيماوية السامة، بمشاركة مليشيات
المستوطنين وقوات الجيش النظامية.
كما
استعمل الجيش الرشاشات الفردية والمسدسات سريعة الطلقات، وأنواعا متعددة من
العيارات، منها ما هو محرم في القانون الدولي مثل رصاص الدمدم، والطلقات المطاطية
المكونة من 40% من الحديد، و60% من المطاط، وطلقات الألمنيوم، والبلاستيكية
الممزوجة بنشارة الحديد، والكرات المعدنية المطاطية، والمدفع الرشاش الذي يقذف
الحجارة بكثافة، ورصاص مصنوع من الرمل، ووسائل قمع متنوعة، بعضها يؤدي للاختناق
والموت والإجهاض.
وفي
الوقت الذي ضاعف الجيش من عدد جنوده، سارع جهاز المخابرات العامة
"الشاباك" لإعادة بناء شبكات عملائه، وتعهدت السلطات ممثلة بالإدارة
المدنية بسحق الانتفاضات، بالقوة والضرب، وفرضت جملة من الإجراءات العقابية على
السكان المدنيين، وحرمت البلدات والقرى من تصاريح السفر والتجارة عقابا جماعيا
إضافيا لها، وأصبح إصدار جميع الوثائق الرسمية، بما فيها بطاقات الهوية ورخص سياقة
السيارات، مشروطا بإثبات دفع الضرائب والغرامات التي تفرضها المحاكم الأمنية.
وأفاد
الجنود الذين أنهوا خدمتهم بأن أعمال التخريب المتعمد للممتلكات وإساءة معاملة
المدنيين وإهانتهم، غدت قاعدة في السلوك اليومي لنسبة كبيرة منهم، وتراوحت بين
إكراههم على خلع ملابسهم أثناء التفتيش، والضرب داخل المنازل بعد إلقاء القبض على
أهلها.
أخيرا..
لقد قامت هذه المعادلة الإسرائيلية، التي لم تتضمن جديدا، على القاعدة العسكرية
المعروفة: المزيد من القمع يؤدي لرضوخ الشعب الفلسطيني واستكانته، وفي هذه الحالة
تجهض الانتفاضة وتنتهي، إلا أن أحداثها اليومية أثبتت أنه حين أراد الإسرائيليون
وقفها بالقبضة الحديدية، زاد انزراعهم في وحل المستنقع، وجاءت الأحداث مخيبة
لآمالهم، وكان وجود الاحتلال مبررا دائما ويوميا لاستمرارية الانتفاضة، سواء كانت
انتفاضة الحجارة 1987، أو انتفاضة الأقصى 2000، أو انتفاضة القدس الأخيرة المندلعة
منذ 2015.