هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للكاتب جورج مونبيوت، يقول فيه إن الطريقة التي تنتشر فيها القصص التي تقتقد للمصداقية بعد مجزرة الأسلحة الكيميائية في سوريا يجب أن تكون مصدر قلق بالغ.
ويبدأ الكاتب مقاله بالسؤال: "ماذا نصدق؟ إنه سؤال مهم جدا للديمقراطية، فدون اختيار بناء على علم فإن الديمقراطية تفقد معناها، وهذا هو سبب استثمار الديكتاتوريين والمليارديرات في الأخبار الكاذبة، ودفاعنا الوحيد هو من خلال اليقظة والدقة والتشكك، لكن عندما يعطي أشخاص قضوا حياتهم في محاربة نشر الأكاذيب مصداقية لنظريات المؤامرة، تصاب بالحيرة.. إلى أين تلجأ؟".
ويشير مونبيوت في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "منظمة حظر الأسلحة الكيميائية نشرت الشهر الماضي نتيجة تحقيقها في الهجوم الكيماوي في بلدة خان شيخون السورية، التي راح ضحيتها 100 شخص في 4 نيسان/ أبريل، كما تضرر منها حوالي 200 شخص، وبعد القيام بتفحص النظريات المختلفة، والقيام بمقابلات على مدى واسع، وإجراء فحوصات مخبرية وتحليل للصور والفيديوهات، توصلت المنظمة إلى أن الهجوم كان عن طريق قنبلة مملوءة بغاز السارين قامت الحكومة السورية بإلقائها".
ويعلق الكاتب قائلا: "ليس هناك أمر غريب في هذا الاستنتاج، فللحكومة السورية تاريخ طويل في استخدام الأسلحة الكيماوية، واستنتاج منظمة حظر الأسلحة الكيميائية يتوافق مع كم كبير من شهادات الشهود، لكن جهدا دعائيا كبيرا سعى للتشكيك، وقال إن الجريمة هي عبارة عن (هجوم بموجب علم زائف)".
ويبين مونبيوت أن "هذا الجهد بدأ بمقال على موقع المصدر للأخبار، الذي يديره المؤيد للحكومة السورية، ليث أبو فاضل، وأشار المقال إلى أنه إما أن تكون (القوى الإرهابية) هي من قامت بالهجوم، أو أن القنبلة سقطت على مصنع للأسلحة الكيماوية (تابع للمعارضة)".
ويلفت الكاتب إلى أنه "تم تحسين القصة على موقع Infowars، وهو عبارة عن منتدى لليمين المتطرف، يروج فيه لنظريات المؤامرة، حيث زعم المقال المنشور على هذا الموقع بأن من قام في الهجوم هم أصحاب الخوذ البيضاء، وهذا الادعاء هو تكرار لنظرية المؤامرة التي تم دحضها بخصوص هذه الفئة التي تقوم بإنقاذ الناس، وتصورهم على أنهم مجرمون، وزعم المقال بأن الضحايا هم من الأشخاص الذين اختطفهم تنظيم القاعدة من مدينة قريبة، وجلبوا إلى خان شيخون، حيث تم قتلهم ربما بمساعدة من الحكومتين البريطانية والفرنسية (لوضع اللوم على الحكومة السورية)، وكانت مؤلفة هذه القصة ميمي اللحام، التي تعرف أيضا باسم مرام سوسلي، وبارتيزان غيرل (الفتاة الوطنية)، و(سيريان سيستر/ الأخت السورية)، وهي مؤيدة لحكومة الأسد، وظهرت في مدونات صوتية مصورة استضافها ديفيد ديوك، الأب الروحي لـ(كو كلاكس كلان)، بالإضافة إلى أنها تؤدي دورا آخر بصفتها (خبيرة) يستخدمها البروفيسور المتقاعد من جامعة ماساتشوستس ثيودور بوستول، الذي نشر ادعاءات كثيرة تشكك في تورط الحكومة السورية في الهجمات الكيماوية".
ويبين مونبيوت أن "بوستول كشف في مراسلة مع الخبير في الأسلحة الكيميائية دان كاسزيتا بأن (المصدر العلمي الأكيد) الذي استخدمه لنظريته حول مصدر السارين المستخدم في سوريا كان (سيريان سيستر)، وعندما ظهر كل من بوستول وسوسلي على المدونة الصوتية/ المرئية التي يديرها المشكك في المحرقة ريان دوسون، شرح بوستول لماذا اختار أن يعمل معها، قائلا: (كنت أتابعها على (تويتر)، استطعت أن أرى من خلال صوتها .. أنها كانت كيميائية مدربة)، وادعى بوستول ابتداء أن الحفرة التي انبعث منها غاز السارين لم تكن ناتجة عن قنبلة أسقطت من الجو، لكن عن جسم متفجر زرع على الأرض (وهي نظرية تمت دراستها ودحضت تماما في تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية)، ثم ادعى (عدم وجود أدلة تدعم) فكرة أن السارين أطلق من الجو، وقال إن هناك أدلة قوية على أن القنبلة التي أسقطت من الجو أصابت مخزن أسلحة تابعا للثوار".
وينوه الكاتب إلى أن "بوستول ادعى بأن تقريرا للمخابرات الفرنسية ناقض قصة القاء السارين من الطائرة، حيث أشار إلى أن السارين كان قد ألقي من طائرات هيلوكوبتر في مكان آخر (في الواقع خلط بين الهجوم في نيسان/ أبريل 2017 وهجوم آخر في نيسان/ أبريل 2013). وقد تم استكشاف كل من النظريتين في وقتها من المدونين والمحللين وتم نسفهما".
ويذكر مونبيوت أن صحيفة "الغارديان" زارت خان شيخون بعد الهجوم، وكانت المنظمة الإخبارية الوحيدة التي فعلت ذلك، و"تأكدت من عدم وجود مخازن أسلحة بالقرب من منطقة التلوث، فكانت المخازن المحيطة بالمكان مهجورة، ولم يوجد داخلها سوى أعلاف للطيور وشبكة كرة طائرة، ولم يهاجم أي منها في الأشهر القريبة، وكان مصدر انبعاث السارين هو حفرة في الشارع، حيث توجد بقايا القذيفة".
ويستدرك الكاتب بأنه "بعد ثمانية أيام من هجوم خان شيخون تمت مقابلة جون بلجر، المشهور بفضح الدعاية والكذب على موقع (كنسورتيوم نيوز)، حيث امتدح بوستول بالقول إن (البروفيسور المتميز من جامعة ماستشوستس) أشار إلى أن الحكومة السورية لم يكن بإمكانها القيام بذلك الهجوم -حيث ادعى أنها دمرت أسلحتها الكيميائية في 2014- وأصر على أن الجهاديين في خان شيخون (كانوا يعبثون بغازات الأعصاب والسارين.. على مدى أعوام الآن. وليس هناك شك في ذلك)، وبالرغم من ادعاءات كثيرة على عكس ما أعتقد، إلا أنني لم أجد أي دليل معقول بأن الجهاديين في سوريا يستطيعون الوصول إلى السارين".
ويفيد مونبيوت أن "نعوم تشومسكي قال في مقابلة مع موقع (ديموكراسي ناو) في 26 نيسان/ أبريل، إن بوستول، الذي وصفه تشومسكي بـ (المحلل الاستراتيجي والمحلل الاستخباراتي) أصدر نقدا مدمرا لتقرير البيت الأبيض، الذي قال إن الحكومة السورية كانت مسؤولة، ومع أن تشومسكي تقبل أن هجوما كيماويا وقع، وقال إن من الممكن أن تكون الحكومة السورية هي من تقف خلف الهجوم. وتسببت هذه المقابلة بموجة من التعليقات المؤيدة لنظرية بوستول، وألغت الاحتمال بأن حكومة الأسد كانت المسؤولة عن الهجوم. وأصبح الجو مسموما عندما شككت في ادعاءات بوستول، واتهمني الناس بأني متعاطف مع تنظيم الدولة وممن يعتدون جنسيا على الأطفال وتبتزني الحكومة، وأنني عميل للموساد، لكن الجنون كان في بدايته فقط".
ويورد الكاتب أن "الصحافي سيمور هيرش كتب في شهر حزيران/ يونيو مقالا في الصحيفة الألمانية (داي ويلت)، بناء على معلومات من (مستشار كبير للمخابرات الأمريكية)، كان يصر على عدم وقوع هجوم بغاز السارين في خان شيخون، لكن ما حصل هو أن الطائرات السورية استهدفت اجتماعا للقادة الجهاديين في بناية من طابقين بدعم من الروس وبعلم واشنطن الكامل، وأن الأسمدة ومستحضرات التعقيم في قبو البناية قد تكون تسببت بحالات التسمم على مدى واسع، (وهذا احتمال كانت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية درسته، ولم تجد ما يؤيده من الأدلة)".
ويتساءل مونبيوت قائلا: "فأي بناية كان يتحدث عنها؟ طلبت من هيرش أن يعطيني موقع البناية؛ وهو أقل دليل يمكن أن تقدمه لدعم ادعاء من هذا النوع، ويقدم موقع (تيراسيفر) صورا من الأقمار الصناعية تمكن من تفحص أي تغييرات في البنايات في خان شيخون من يوم إلى الذي يليه، وعندما تحديته بإثبات ما قال أرسل لي روابط لما قاله بوستول، ثم قال إن الصور ليست (دقيقة أو يعتمد عليها) بما فيه الكفاية، وبما أن كل بناية واضحة في الصور، أجد هذا الادعاء صعب الاستيعاب".
ويقول الكاتب إن "الشك في المزاعم الرسمية كلها ضروري، خاصة عندما يتعلق الأمر بأسلحة الدمار الشامل، وبالذات عندما تستخدم للقيام بعمل عسكري، وفي هذه الحالة صواريخ التوماهوك، التي أطلقت بناء على أوامر دونالد ترامب من مدمرة أمريكية في 7 نيسان/ أبريل، ونحن نعرف من تجربة العراق عدم الثقة بهذه الادعاءات، لكنني أيضا أعتقد أن هناك فرقا بين التشكك والإنكار، وبسبب ضبابية الحرب سيكون دائما هناك شك، حيث يعترف تقرير منظمة حظر الأسلحية الكيميائية بأنه ليست هناك أدلة لإثبات النظريات المتضاربة في خان شيخون، لكن الدعاية من جانب لا تبرر الدعاية من جانب آخر".
ويختم مونبيوت مقاله بالإشارة إلى أن "ديفيد روبرتز، قال في مقال على موقع "Vox" إن أمريكا تواجه (أزمة معرفية)؛ سببها رفض المحافظين لأشكال الخبرة والمعرفة كلها. وأصبحت السياسة في أمريكا وغيرها من الأماكن يسودها نظريات المؤامرة والبارانويا، وهؤ الخطاب الذي يؤدي إلى الفاشية، وهذا يشكل تهديدا على الديمقراطية".