يستعد أكراد
سوريا لإجراء أول
انتخابات في نظامهم الفدرالي في شمال البلاد غدا الجمعة، في وقت دعا فيه "المجلس الوطني الكردي في سوريا" الأكراد إلى مقاطعتها.
ومن شأن هذه الخطوة أن تثير استياء تركيا ونظام الأسد، وتأتي قبل أيام من استفتاء مثير للجدل على الاستقلال في كردستان العراق المجاورة.
ومن المقرر أن يجري الأكراد انتخابات على ثلاث مراحل تبدأ باختيار لجان محلية في 22 أيلول/ سبتمبر وتنتهي في كانون الثاني/ يناير العام 2018 بانتخاب مجلس تشريعي لروج أفا، أي غرب كردستان.
ويقول صالح مسلم، الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديموقراطي، أكبر الأحزاب الكردية في سوريا وأكثرها نفوذا، "الانتخابات هي الخطوة الأولى لترسيخ النظام الفدرالي والديموقراطية الفدرالية".
ويضيف في اتصال هاتفي مع وكالة "فرانس برس" في بيروت "هناك نظام جديد يتأسس في روج افا... نحن جزء من سوريا ومطلبنا الفدرالية".
وفي إطار الإعداد للانتخابات، انتشرت في مدينتي القامشلي وعامودا في محافظة الحسكة لافتات بثلاث لغات، العربية والكردية والسريانية، تدعو المواطنين للمشاركة في الانتخابات. وكتب على بعضها "مستقبل روج آفا بين يديك، لا تبخل بصوتك" و"صوتك أمانة امنحه لمن يستحق".
ويقول عمر عبدي (50 عاما) في القامشلي لوكالة "فرانس برس"، "إنها المرة الأولى التي نشهد فيها انتخابات كردية (...) لم نكن نصدق أننا سنرى هذا اليوم أبدا".
دعوة للمقاطعة
من جهته دعا "المجلس الوطني الكردي في سوريا" أكراد سوريا إلى
مقاطعة الانتخابات المحلية والتشريعية التي ستجريها الإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا.
واعتبر المجلس في بيان تسلمت "
عربي21" نسخة عنه، أن إصرار حزب الاتحاد الديمقراطي (المتحكم بالإدارة) على الانتخابات في هذا التوقيت، هو تحد صارخ لإرادة الشعب الكردي، ومحاولة لصرف الأنظار عن الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، المقرر في 25 أيلول/سبتمبر الجاري.
من جانب آخر أشار البيان الصادر عن الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي إلى تعرض الأكراد إلى ضغوط من قبل الاتحاد الديمقراطي في سبيل الدفع بهم للمشاركة في الانتخابات "المسيئة إلى نضال الشعب الكردي".
وقال عضو الأمانة العامة في المجلس الوطني الكردي، فيصل يوسف، إن دعوة المجلس لمقاطعة الانتخابات تعبر عن موقف المجلس الرافض لمشروع الانتخابات الأحادية.
وأضاف يوسف لـ"
عربي21": "إن موقفنا ثابت ولسنا من ضمن مشروع الإدارة الذاتية"، وشدد قائلا: "لن نعترف بالنتائج"، وتابع داعيا الكرد والعرب في هذه الظروف الخاصة التي تمر على سوريا إلى الاتفاق على إطار موحد لتحقيق أهداف الثورة السورية.
وتعقيبا على دعوة المجلس الوطني لمقاطعة الانتخابات، رفض القيادي البارز في الإدارة الذاتية، آلدار خليل، وصف الانتخابات بأنها "أحادية"، مشيرا إلى استعداد الإدارة الذاتية لاستقبال اللجان الدولية لمراقبة الانتخابات عن كثب.
من جانب آخر هاجم خليل المجلس الوطني الكردي واصفا إياه بـ"المشتت الذي فقد القاعدة الجماهيرية"، وقال: "لقد أفلس هذا المجلس جماهيريا، لذلك يتهرب أعضاؤه من الترشح للانتخابات، بسبب علمهم بأنه لن يصوت لهم أحد".
صوتك مقابل..
في غضون ذلك، قلل ناشطون من دعوة المجلس الوطني لمقاطعة الانتخابات، وتحدثوا عن ضغوط "غير مباشرة" يتعرض لها سكان مناطق الإدارة الذاتية لإجبارهم على الإدلاء بأصواتهم.
وفي هذا الإطار، أكد الناشط الإعلامي، تيتو الكريم، من القامشلي، أن الإدارة الذاتية بدأت بمطالبة الأهالي باستخراج البطاقات الانتخابية، لضمان المشاركة في الانتخابات.
وبحسب الكريم، فإن الإدارة بدأت تلوح بحرمان كل من لم يدل بصوته في الانتخابات من مادة مازوت التدفئة (الديزل)، التي توزعها الإدارة على الأهالي بسعر منخفض عن سعر السوق وبكميات محددة.
وبعد أن علق ساخرا: "صوتك مقابل مازوتك"، تابع الكريم قائلا: لـ"
عربي21"، "كما لم يصدر النظام السوري أوامر مباشرة من قبل بالمشاركة في مسرحيات الانتخابات التي كانت تجري في سوريا ما قبل الثورة، لم تصدر عن الإدارة الأوامر أيضا".
وزاد قائلا: "كما كان الخوف يدفع بالسوريين إلى المشاركة خشية عقاب النظام، سيفعل الأهالي في مناطق الإدارة الذاتية الأمر ذاته".
"مثل بلجيكا"
ويقول الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير اوغلو لـ"فرانس برس" "توفر هذه الانتخابات فرصة للأكراد لبدء بناء مؤسساتهم من أجل المستقبل".
ويضيف "من المهم بالنسبة للأكراد اليوم أن يظهروا للنظام أن الأمور تغيرت في شمال سوريا، وهم من يديرون الأمور وليس النظام في دمشق"، كما أنهم "يبعثون برسائل قوية إلى العالم مفادها أن إجراء هذه الانتخابات ممكن لأن المناطق التي يسيطرون عليها مع حلفائهم آمنة ومستقرة".
ولا يتوقع محللون أن تشارك أحزاب كردية معارضة للنظام الفدرالي فيها، بل أن تقتصر على أحزاب تشكل الإدارة الذاتية.
ويقول الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش "ستكون هذه الانتخابات ديموقراطية في الظاهر لعدم وجود تعددية حزبية".
"مطلبنا الفدرالية"
ورفض النظام السوري إعلان الفدرالية الكردي، ووصف الانتخابات بـ"المزحة". ويقول رئيس تحرير صحيفة "الوطن" المقرب من النظام وضاح عبد ربه لفرانس برس "إنها انتخابات غير شرعية، موضوع الفدرالية غير مطروح أبدا"، مضيفا "أي تغيير للنظام في سوريا يجب أن يحصل من خلال تغيير الدستور السوري الذي لا يمكن تغييره إلا باستفتاء عام لكل السوريين".
ويرى جيفير اوغلو ان أنقرة ودمشق، ورغم الخلاف الكبير بينهما منذ بدء النزاع، يتفقان على أمر واحد وهو رفض الحكم الذاتي للأكراد. وتخشى أنقرة التي تحارب حركة تمرد كردية على أرضها من تمدد عدوى الاستقلال إليها.
ويقول بالانش "في سوريا إنها خطوة أولى، في العراق يبدو أنها خطوة أخيرة. ويتعلق الأمر في الحالتين بالحصول على شرعية محلية ودولية".
يشار إلى أن الأكراد أعلنوا في آذار/ مارس 2016 النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال البلاد التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب).