كتاب عربي 21

إضراب الأسرى الفلسطينيين

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600
أعلن الأسرى الفلسطينيون في السجون الصهيونية إضرابا عاما ومفتوحا عن الطعام وذلك لغاية تلبية مطالبهم بتحسين ظروف السجن والاعتقال.

وقد ترافق هذا الإعلان مع يوم الأسير الفلسطيني الموافق 17أبريل/نيسان من كل عام. وهذا الإضراب الذي يشارك فيه كل المعتقلين الفلسطينيين من كل الأطياف السياسية الفلسطينية ليس الأول من نوعه، وإنما هو حلقة من سلسلة إضرابات خاضها الفلسطينيون على مر السنين. وهنا نميز بين الإضراب الذي يخوضه أشخاص بمفردهم دون أن يكون هناك تجاوب من مختلف الفصائل الفلسطينية وبين الإضراب العام. هناك فلسطينيون بخاصة من المعتقلين إداريا أمثال الشيخين خضر عدنان ومحمد علان قرروا خوض إضراب مفتوح على مسؤوليتهم الخاصة، وصمدوا في إضرابهم لمدد طويلة استطاعوا من خلاله في النهاية الوصول إلى نتيجة مرضية لهم ولمجموع الشعب الفلسطيني.

الإضراب الحالي هو إضراب عام وشامل لكل الأسرى سواء كانوا تحت محكومية أو تحت الاعتقال الإداري. وللأسرى مطالب عدة من سلطات الاحتلال منها: تركيب هاتف عمومي في كل سجن لتمكين الأسرى من التواصل مع ذويهم، وتحسين ظروف زيارات الأهالي والالتزام بزيارة كل أسبوعين والامتناع التام عن منع الزيارة كإجراء عقابي. ومن المطالب أيضاً زيادة عدد القنوات الفضائية التي يمكن أن يشاهدها المعتقلون وذلك وفق ما يرونه هم مناسبا، وإنهاء سياسة الاعتقال الإداري والعزل الانفرادي، وتحسين الظروف الطبية للمعتقلين. المعتقلون يطالبون بسرعة علاج المرضى، والإفراج عن الذين يعانون من إعاقات، وتوفير الراحة أثناء نقل المعتقلين من سجن إلى آخر، أو من المستشفى السجن إلى السجن الذي يحشر فيه المعتقل، وتحسين ظروف النساء الطبية بما يتلاءم مع أوضاعهن. وهناك طلبات علمية أيضا مثل إعادة العمل بتقديم امتحان الثانوية العامة في السجون، والتسجيل بالجامعة العبرية المفتوحة.

هل سينجح المعتقلون في مسعاهم؟ للفلسطينيين تجارب سابقة في هذا المجال، وحققوا إنجازات مهمة ومعتبرة. لقد نفذوا إضرابات مفتوحة وسقط شهداء داخل المعتقلات. لقد قدمت الحركة الأسيرة الكثير من التضحيات من أجل أن تكون الحياة محتملة داخل السجون ومتناسبة مع القوانين الدولية. كانت السجون قاسية جدا في بداية الاحتلال الصهيوني للأراضي المحتلة/67. فمثلا كان يشترك كل اثنين ببيضة مسلوقة واحدة في طعام الإفطار، وكان يقدم أحيانا للاثنين صحن فول صغير لا يكفي طفلا، أو ملعقة مربى صغيرة وأربع حبات زيتون. وكان على المعتقل أن يفيق مبكرا ويرتب البطانيات التي يستعملها للنوم ومن ثم يجلس عليها انتظارا للعدد أو التمام. ولم يكن يسمح له بالنوم عليها خلال النهار. ولم يتوفر للمعتقل سرير أو فرشة اسفنجية للنوم أثناء الليل. هذا فضلا عن التعذيب الذي كان المعتقلون يتعرضون له. لقد كانت ظروفاً قاسية جداً، ولم يكن بوسع الصليب الأحمر أن يصنع شيئا.

قرر المعتقلون استعمال الأمعاء الخاوية كوسيلة ضغط ذات صدى عالمي على الاحتلال الصهيوني وإجرءاته القمعية. ومن خلال الإضرابات تحسنت نوعية الطعام وكميتها، وأصبح هناك إشراف دولي من خلال الصليب الأحمر على ما يتم تقديمه للمعتقلين. وتمكن الأسرى من تحسين ظروف الزيارة للأهل، وظروفهم الطبية. وأصبح لديهم قاعدة خشبية مجهزة بفرشة ليست سميكة للنوم، وحققوا إنجازاً فيما يتعلق بسماع نشرة أخبار والاستماع لصوت أم كلثوم. وأيضاً أصبح بالإمكان إطالة مدة الفورة (الخروج اليومي إلى ساحة لتمرين الأرجل والتعرض للهواء والشمس). وأخيراً حصل المعتقلون على تلفاز وأخذوا يشاهدون قناة إسرائيل وقناة عمان. كما أن الأوضاع الصحية داخل غرف الاعتقال تحسنت بصورة جذرية. وأيضاً تمكن المعتقلون من أداء امتحان الثانوية العامة، وإدخال الكتب للدراسات الجامعية. أي أن تاريخ الإضرابات يقول إن معارك الأمعاء الخاوية تحقق إنجازات، وليس بالضرورة كل المطالب، لكن تحقيق جزء منها يفي بالغرض مؤقتاً ولغاية الإضراب الذي يلي.

المعتقلون يخوضون المعركة، ونحن من خارج الاعتقال علينا مساندتهم، وأهم مساندة نقدمها تتعلق بالساحة العالمية. يجب تدويل قضايا المعتقلين واستنفار مختلف وسائل الإعلام العالمية لكتابة التقارير وتعريف شعوب الأرض بحجم الظلم الذي تمارسه إسرائيل ضد المعتقلين وبانتهاك صريح وواضح للمواثيق الدولية. ومن ثم علينا حشد الرأي العام المحلي بكافة أطيافه لدعم قضايا المعتقلين ومؤازرتهم والوقوف مع أهاليهم وعائلاتهم وشد أزرهم. ومن واجبنا توظيف مختلف المؤسسات من أجل خدمة المعتقلين والتصدي لإجراءات الاحتلال وممارساته الإجرامية. وعلينا أن نحرض كل العرب من أجل التوقف عن التطبيع مع الصهاينة وسحب الاعتراف بإسرائيل، وحشد الطاقات في مواجهتها. نحن يقع على عاتقنا التزام أخلاقي ووطني ومجتمعي للوقوف مع الحركة الأسيرة واتخاذ مختلف الإجراءات التي من شأنها أن تشكل ضغطاً على إسرائيل لتلبية المطالب. ولهذا من الضروري تجنيد مختلف وسائل إعلامنا وندواتنا ومحاضراتنا وبرامجنا السياسية لخدمة هذا القضية. وأشد ما يضغط على إسرائيل هو تبادل الأسرى، وحركة شعبية قوية تخيفها. وهذا بيد الفصائل.

من تجاربنا، إسرائيل سترد باتخاذ إجراءات ضد المعتقلين مثل النقل إلى سجون منعزلة، أو رفع مستوى العزل الانفرادي لقادة المعتقلين، أو القيام بتفتيش متكرر لغرفهم، الخ. هذه إجراءات ستثقل على المعتقلين، لكن لا خيار أمام إسرائيل أمام إصرار المعتقلين إلا الاستجابة. في النهاية ستفتح إسرائيل باب التفاوض مع المعتقلين وستلبي عدداً لا بأس به من الطلبات.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل