كيف لم تستطع الإمكانيات العسكرية والأمنية والاقتصادية الهائلة تحصين مناطق التماس مع اليمن، ليبرز هذا الخيار السيئ الذي جعل السلطات السعودية تعتقد أن الأمن سيتحقق عبر هذه السلسلة المؤذية من الإجراءات الموجهة ضد اليمنيين المسالمين المقيمين في أراضيها التي تعد امتداداهم الجغرافي الطبيعي والتاريخي
من الواضح وبناء على المعطيات السابقة، أن الولايات المتحدة تمضي قدماً في التعاطي مع الأزمة والحرب في اليمن ضمن مستوى غير معهود من التصرف المباشر والحريص، والدفع بشركاء إقليميين كدولة قطر وسلطنة عمان للمشاركة في إنهاء الصراع، خصوصاً أن الأمر يتعلق باختبار مبدأ الدبلوماسية الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي
في ظل حالة الشلل التام الذي تعاني منه السلطة الشرعية، تتجلى على نحو صارخ ممارسات رموزها على كافة المستويات، فيما يبدو السلك الدبلوماسي المجال الذي يمارس فيه الرئيس عبد ربه منصور هادي هوايته المفضلة في إعادة هندسة خارطة النفوذ الجهوي..
ما يهمنا هو مراقبة الموقف السعودي للتأكد من أن أي تطور في العلاقات مع أبو ظبي سيقاس بمدى انعكاسه على التزام السعودية تجاه اليمن، واستعدادها لتصحيح مسار تدخلها العسكري، لتنتهي الحرب بضمان كامل لمصالح الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية معاً..
يريدون تحقيق أهدافهم من خلال الحكومة التي تخلو في الأغلب الأعم من الوطنيين والشرفاء والمخلصين، والرجال الأقوياء، لهذا يستمرون في الدفع بالحكومة إلى مستنقع عدن لكي يتصرف الأشرار تحت مظلتها بما بقي لليمن من وجود وكرامة
لقد خجلت أمريكا من تصريحات مبعوثها، ولم تخجل السعودية ولم يخجل الرئيس ولا مساعدوه الجنوبيون، فيما تزداد النخبة الشمالية انقساماً وضعفاً بعد أن توزعت مصالحها بين الرياض والقاهرة وأبو ظبي، وأحاطت ببعضها المخاطر والتهديدات، إلى حد لم تعد تستطيع معه أن تحدد موقفاً أو تبدي رأياً..
ما نحتاجه اليوم هو أن يتخلى الجميع عن مقارباتهم الكارثية للأزمة والحرب في اليمن، وأن يقروا للشعب اليمني بحقه في استعادة دولته ووحدته وديمقراطيته، وإلا فإن اليمنيين يمكنهم أن يفتحوا صفحة جديدة مع الجميع عنوانها الكفاح حتى إنهاء الانقلاب والتمرد والتدخل العسكري المتخاذل للأشقاء
إذا كانت السعودية قد أخطأت بمصادرة إرادة السلطة الشرعية التي تدعمها وأعلنت مبادرتها لوقف إطلاق النار، فإن الشيء الوحيد الذي يجعل موقف السعودية مقبولاً من معظم الشعب اليمني هو أن تطور من آليات الدعم المقدمة للحكومة وأن تكف عن مصادرة القرار السياسي للسلطة الشرعية، وأن تنهي خطر المجلس الانتقالي
مظاهر العبث بالسيادة اليمنية لا حدود لها، لقد تحولت الجغرافيا اليمنية إلى ساحة تتجلى فيها كل أشكال المراهقة السياسية والاستعراضات العسكرية العبثية من جانب نظامين إقليميين؛ تأكد أنهما أبعد ما يكونا عن المصالح المشتركة للأمة
تكمن أهمية المعركة الدائرة حالياً في مأرب، والتي تضع السعودية ثقلها الجوي الكبير لإبقائها عند حدودها الحالية من الاحتواء لكل الأطراف، واستنزافهم. والمطلوب أن يجري تحول حقيقي في هذه المعركة، يخفف الاعتماد على الطيران السعودي ويقوي الإمكانيات الميدانية للجيش الوطني، وينقل المعركة إلى عمق العدو وهزيمته
هل يعقل أن السعودية لم تتحوط؟ وهل تخلت بالفعل مصادر القوة التي تدعم موقفها على الساحة اليمنية؟ وأنا هنا بالطبع لا أعتبر المجلس الانتقالي وسيطرته في عدن وسقطرى إلا أحد أسوأ هذه هذه المصادر
محاولة أنصار الشرعية شد الانتباه إلى أن معركتهم في اليمن هي مع إيران، يغطي على أعداء لا يقلون خبثاً عن إيران، أعداء في هيئة حلفاء، لطالما تربصوا باليمن ولطالما وفروا لإيران أدوات المعركة، وحرروها من أعباء خوضها في ساحة كانت تبدو عصية للغاية على طهران وعصبتها الطائفية
ليس غريباً أن يتغول الحوثيون في مهمة تطييف المجتمع اليمني وتفخيخه، عبر استخدام أدوات السلطة المتاحة لديهم. فبدون التأثير الجذري في وعي الناشئة لن يتمكنوا من البقاء، لأن أسلوبهم في الحكم يحمل بذور الفناء السريع..